هيمنة الأنشطة المالية

  هيمنة الأنشطة المالية

محمد البلطي

[email protected]

   قبل عرض هذه المسألة نلاحظ بالإعتماد على كارل ماركس أن أوهام النظام النقدي تجد مصدرها في أنه لا يُنظر الى النقود في شكلها كشيء مادي له خصائص محددة الى أساس أنها تمثل علاقة إنتاج إجتماعية.بعد ذلك يذهب "دافيد هارفي" الى أنه مثلما كان الأمر في القرن 19 كانت بنى الأسواق المالية من ضمن أول و أعمق ما تأثر بفاعيل الأزمة الحالية.و من ضمن ما نتج عن ذلك أنه لم يعد هناك طبقة رأسمالية مالية تنظّم و تسيّر النسق الذي عمته الفوضى و أصبح يتميز بأخطار كبيرة.كما بات رغم ذلك أو بسببه كبير القوة و قادرا على إخضاع الحكومات القومية و الشركات العابرة للأمم لضغوطات السوق.و كان "جون كينز" نصف قرن قبل إكتشاف الحاسوب الشخصي و تكنولوجا المعلومات و الأقمار الصناعية قد إعتبر أنه كلما تزايد إكتمال تنظيم أسواق الإستثمار تزايد خطر هيمنة المضاربة.و حسب سمير أمين تمثل المضاربة الشكل الطبيعي لتوظيف سيولات الإحتكارات.

   و إذا كانت الأسواق المالية هي النموذج المركزي لهذه المرحلة و بحكم أنها تفرض كعلم مرجعي ليس العلوم الطبيعية و الميكانيك النيوتني أو الكمياء العضوية لكن حساب الإحتمالات و نظرية الألعاب’نظرية الفوضى و المنطق الضبابي و علوم الحياة’ بحكم ذلك تصبح المضاربة هي النشاط "الإقتصادي" الأساسي لـ"رأس المال" النقدي كشكل من أشكال رأس المال الإجتماعي.أي أن القطاع المالي في البلدان الرأسمالية الإمبريالية أصبحت له,مثلما يلاحظ ذلك سامي نير’ حياته الخاصة, إنها حضارة المضاربة,فوضى المضاربة كعنصر أساسي في ما سيمى العولمة.و هو ما يعني أن المضاربة تهمين على الإنتاج و النتائج  الإجتماعية  الكارثية للليبرالية الجديدة تحصل في إطار إقتصادي حيث إنتصرت الأنشطة المالية و أصبحت الأسواق المالية تمارس تأثيرا كبيرا جدا.و مثلما كان ممكنا في السابق القول أن مأتي عائلة تتحكم في مصير فرنسا فانه يمكننا الأن التأكيد أن مأتي متصرّف يتحكمون في مصير الأرض.و بالنسبة لسمير أمين العولمة الجديدة تتميز بشكل كبير عن المراحل السابقة فهي تقوم على تداخل بين رؤوس الاموال, و ذلك الى جانب أن رأس المال الذي كان الى حد الأن و بشكل دائم وطنيا يتجه الى فقدان هذه الخاصية حيث ينبثق في مكانه رأس مال مهيمن مُعولم إنطلاقا من قطاعه المالي.و هو في طريقه الى التعولم بنسق سريع و بشكل غير معقول و رأس المال هذا هو وسيلة العولمة بالنسبة لسمير أمين.و تتصف الراسمالية الجديدة حسب محمد سعيد طالب بغلبة الطابع المالي و الأنشطة الريعية و المضاربات المالية و هيمنتها على الأنشطة الإنتاجية.و في التعليق على أزمة 1994 في المكسيك و ملابسات مواجهتها يؤكد كاتبا "فخ العولمة" "لا مراء أن الأزمة المكسيكية قد سلطت الأضواء على طبيعة النظام العالمي الجديد في عصر العولمة.فقد أماط المتعاملون مع الأزمة على نحو لا سابقة له حتى الأن اللّثام عن التغيير الجدي الذي طرأ على موازين القوى في العالم إثر سيادة التكامل الإقتصادي العالمي.فكما لو كانوا مسيرين من قبل يد خفية تُخضع الجميع,أعنيحكومة القوى العظمى في العالم’الولايات المتحدة الأمريكية و صندوق النقد الدولي’الذي كان معروفا لذلك الحين بجبروته و عطمته,و كذلك المصارف المركزية الأوروبية’نعم خضع هؤلاء جميعا لما أملته عليهم قوّة فاقت قموّتهم’قوّة لم يكن بمقدورهم التعرف على حجم ذخيرتها التدميرية,أعني السوق المالية الدولية".و يعرّف عزام محجوب الأسواق المالية من جهة كونها "تعني إندماج الأسواق المالية في سوق عالمية واحدة,و ذلك برفع كل العراقيل و الحواجز أمام رؤوس الاموال".

   الطابع المهيمن للأسواق المالية يعني أن هناك جديدا في طبيعة العلاقة بين العناصر المكونة لرأس المال الإجتماعي.و هو جديد يتمثل في إنفصال جانب كبير من رأس المال النقدي عن رأس المال الصناعي-المنتج و رأس المال التجاري متخذا بسبب أزمة فائض إنتاج شكل فائض نقدي غير قابل للتحول الى رأس مال منتج أو تجاري.و هو ما سيدفهة باتجاه المضاربة.

   و تساعدنا عودة سريعة الى التاريخ على توضيح ذلك.في مقابل ما نلاحظه من كثافة لحركة "رأس المال النقدي" و هيمنة الأنشطة المالية المنفصلة عن الإقتصاد الواقعي-المنتج,في مقابل ذلك تساعدنا تلك العودة على تبين أن الطابع العالمي لحركة رأس المال النقدي ليس جديدا كليا و ليس وليد ما يسمى العولمة.و في هذا الإطار يذهب رضا قويعة الى أن هناك صلاثة دوافع تفسّر إتجاه رؤوس الأموال الأنقليزية نحو الخارج إنطلاقا من القرن 19.و هي إنخفاض نسبة الفائدة و إتمام إنجاز السكك الحديدية في البلدان المتقدمة, و باتالي يمكن لرؤوس الأموال الإتجاه نحو الخطوط الحديدية الطويلة في بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية و الهند.أما السبب الثالث فهو فهو تشكل العناصر الأساسية لنظام بنكي فاعل, حيث تصبح البنوك الأنقليزية و الفرنسية و الألمانية هي الفاعلة في ميدان الإستثمار و التسليف الخارجي.و في الإطار نفسه يذكر رضا قويعة أن حوالي 54 بالمائة من الإدخار الداخلي الأنقليزي كان مستثمرا في الخارج في نهاية القرن 19,و قد بلغت هذه النسبة 96 بالمائة خلال المرحلة 1904-1913.لكن الأهم من كل ذلك هو أن تلك الإستثمارات كانت تتجه الى الإقتصاد الواقعي-المنتج فقد كانت توجه الى ميدان البنية الأساسية الطرقات و الموانيء و السكك الحديدية و الأشغال العمة و تجهيزات التلغراف و الإستغلال المنجمي..الخ.و قد شهدت الإستثمارات الأنقليزية تطورا متواصلا إذ كانت 104 مليون ليرة في 1906 و 148 في 1907 و 225 في 1913,أي ما يمثل ثلث أملاك الرأسماليين الأنقليزو متجاوزة بذلك الإستثمار الداخلي الصافي.و يمكن ملاحظة نفس الشيء بالنسبة للإستثمارات الفرنسية في الخارج.فقد تجاوزت في بداية القرن 20 اللإستثمارات في الداخل و مثلت 900 مليون في المتوسط في السنة.و مثلما يشير الى ذلك رضا قويعة, كانت مساهمة رأس المال البنكي هامة و مثل الإستثمارات الأنقليزية أتجهت الفرنسية الى الإقتصاد الواقعي من خلال بعث مصانع النسيج و الحديد و إستثمرت في ميدان بناء السفن و مناجم الفحم.و قد كانت شركة فسفاط قفصة التي أنشأة سنة 1877 مرتبطة ببنوك "ميرابو-هوتنغار" و مجموعة "نافرو".و يصل رضا قويعة الى درجة إعتبار أن عولمة رأس المال قد تمت في أواخر القرن19 و بداية القرن 20 و يرتبط ذلك مثلما سبقت الإشارة اليه باقامة شبكة بنكية فعالة.ذلك النظام البنكي كان يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الإستثمار الصناعي.و يلاحظ سمير أمين أن الأزمة الكبرى لنهاية القرن 19 قد كانت مرفوقة بهيمنة الجانب المالي الذي تم من خلال تأكيد هيمنة رأس المال النقدي,المالي على رأس المال المنتج.و بلغة كال ماركس هيمنة المسار المباشر : ن-ن’ على المسار الإنتاجي : ن-إ-ن’.

   ما يهما التأكيد عليه من كل ما سبق هو هيمنة رأس المال النقدي, و رغم وجود المضاربة, لكنها ثانوية, كانت الهيمنة في إطار من التحالف بينه و بين رأس المال الصناعي-المنتج و هي على أساس ذلك هيمنة لم تكن تتضمن إنفصاله شبه الكلي عن حركة الإقتصاد الواقعي-المنتج, و هو ما يحصل لجانب كبير من رأس المال النقدي في ظل ما يسمى العولمة, بسبب أزمة فائض إنتاج تولد فائض نقدي.

على أساس ذلك يكون الإنفصال بين حركة الإقتصاد المنتج و حركة جانب كبير من رأس المال النقدي هو أحد خصائص مراحل التأزم التي تنج عن التناقض بين القدرة على الإنتاج و القدرة على التصريف التي تميز نمط الإنتاج الرأسمالي المحكوم ليس بالبحث عن تلبية حاجات البشر بل عن الربح و المزيد منه و هو ما يجعل الركود النسبي سرطان هذا النمط الإنتاجي.و ذلك الإنفصال يتم على قاعدة غياب حل منتج للفائض النقدي مما يدفع هذا الأخير باتجاه المضاربة كحل بالنسبة للإقتصادات الإمبرالية.

و يترافق نمو الأنشطة المالية و توسعها مع نمو صنف جديد من طرق المضاربة و التلاعبات المالية.و يلاحظ سامي نير أن العومة اليبرالية هي صيرورة شاسعة لتملك الفضاء العالمي, و ما يميزها عن الماضي أنها لا تتم و السلاح في اليد بل هي صيرورة يحصل بشانها إتفاق بين النخب المالية العالمية, و من المستحيل بالنسبة له أن تكون وضعية مماثلة قد وجدت في الماضي.

و الأسواق المالية حسب "مالكولم ويترز" هي أكثر أبعاد "الحياة الإقتصادية" عولمة.و لهذه الأسواق تارخ طويل من التدويل.و بالإعتماد على "قيلبان" يحدد "ويترز" ثلاث مراحل لنمو الأسواق المالية العالمية:

   -- 1870-1914 , كانت بريطانيا أهم مصدر لرأس المال و تركزت الأنشطة المالية العالمية في لندن التي أصبحت تيسر النظام المالي العالمي.

   -- 1920-1939 , أجبرت الحرب العالمية الأولى العديد من البلدان الأوروبية بما في ذلك بريطانيا على تصفية إستثماراتها الخارجية,و في نفس الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتحول الى قوّة إقتصادية,و الى حدود 1929 وفّرت الولايات المتحدة اليسيولة للنظام المالي لكنها حدت من القروض الخارجية في نفس العاموو بعد ذلك ظلت الأسواق محافظة على سيولتها الى حد الحرب العالمية الثانية.

   -- 1947-1985 , أصبحت نيويورك المركز المالي العالمي, أي مصرفي الإحتياطات الأجنبية,و أهم سوق لرأس المال و أرض الخلاص الأخير.و تأكد الدور الأمريكي في المالية العالمية من خلال البنك العالمي و صندوق النقد الدولي.كما تميزت هذه المرحلة بنمو المساعدات المالية الدولية الى درجة تساويها في الأهمية مع الإستثمارات الخاصة.

و حسب "ويترز" النظام المالي لم يكن لا قبل الحرب الثانية و لا بعدها معولما كليا.إذ كان في الحالتين ممركز و مضمون من طرف دولة واحدة, بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.و قد إنهار نظام لندن في الثلاثينات حيث لم تكن حكومة جاهزة لضمانه.و حصلت أزمة مماثلة في بداية السبعينات كان سببها الأساسي التراجع النسبي للقدرة التنافسية الأمريكية و قد ساهمت العديد من العناصر في هذا التراجع الأمريكي من بينها صعود الكتل التجارية الجهوية و صعود اليابان و البلدان الصناعية الجديدة و الصدمة النفطية الأولى.و تحولت الولايات المتحدة الأمريكية الى مدين بعد أن كانتدائنا و بدات تمول عجزها بضخ الدولارات في السوق و فعلت الدو النفطية نفس الشيء بفوائضها المالية.و الأهم من كل ذلك تكون سوق للدولارات الأمريكية: سوق الدولار الأوروبي خارج سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.و تزايد حجم تلك الأموال الغير خاضعة لأي دولة من 50 بليون دولار سنة 1973 الى 2 تريليون دولار سنة 1987, و هي تقريبا نفس الكمية الموجودة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.لذلك يرجع سامي نير بداية هيمنة الأنشطة المالية, هيمنة إحتكار القلة المالي الى تحلل الولايات المتحدة الأمريكية من إتفاقيات "بريتون وودز" سنة 1971 و ما نتج عنه من عدم قابلية الدولار للتحويل الى جانب الكمية المهولة من الدولارات التي تراكمت خارج الولايات المتحدة الأمريكية, التي دفعت الى نمو غير غير مسبوق للأسواق المالية.و حصلت هذه الهيمنة في إطار يتمبر بالتباطيء, بل بالركود المعمم الذي دخل فيه الإقتصاد العالمي إنطلاقا من منتصف السبعينات.

   هذا التشخيص لا يختلف عن ذلك الذي يقوم به ثويترز" و كان من الممكن بعد إنهيار نظام "برتون وودز" إنتظار تحول مركز السوق المالية العالمية , مثلا, الى فرنكفورت أو طوكيو.لكن هذا لم يحدث و ما حصل بالفعل هو بداية صيرورة عولمة مما يجعل تحديد مركز للسوق بدون معنى.و بالتالي فان المرحلةو الرابعة في تطور النظام المالي العالمي إنبثقت حسب "ويتروز" كنتيجة للتلاقي بين إنهيار نيويورك و نمو وسائل الإتصال المرتبطة بالحاسوب و الحينية.و قد نمت السوق المالية المُعولمة في إتجاهين.يتضمن الأول إلغاء قيود الزمان و المكان على المعاملات التي أصبحت تتم على مدار الساعة أما الإتجاه الثاني فيتمثل في التنوع الذي أصبحت عليه السوق المالية.فقد تحولت البنوك الى المتاجرة في الأوراق المالية و شركات البناء و إتحادات التسليف تحولت الى بنوك.

   "هاري مقدوف" يعيد نشوؤ تلك السوق الى الثمانينات, إذ شهدت هذه الأخيرة ولادة مرحلة جديدة كليا من الأنشطة المالية العالمية و ذلك مع صعود الأسواق المالية الأكثر حريّة و الأكثر تعقيدا, تلك التي لم يرى العالم مثيلا لها في السابق.و في نفس الإتجاه يسير كل من "دنيال بُدرو" و "برنار مَاريس" من خلال إعادتهما ذلك التحول الذي يؤثر في الإقتصاد العالمي الى الثمانينات معتبران أن الرأسمالية ما بعد الحرب في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية كانت تقوم على أساس نسق لإحتكار القلة مدعوما من طرف القوة العمومية من وجخة نظر الإستثمار و القروض و الطلب الى جانب الدور الأساسي للنظام البنكي,وحيث كانت السوق النقدية و المالية منظّمتان و مراقبتان.أما الأن فان الأسواق النقدية و المالية المستقلة تراقب الرأسمالية.لقد أصبح السوق يراقب السوق.و منطق هذا النسق بالنسبة لها بسيط:

ففي محل نسق حيث التمويل و المخاطر مؤمنة من طرف بنك الدولة و حيث يتم تحديد القيمة في الميدان التجاري, محل ذلك النسق حل نسق حيث التمويل مضمون بواسطة الإدخار و أين يتم تحديد "القيمة" في الأسواق المالية/البورصة.

و قد اصبح هذه الأخيرة هي التي تحدد مسبقا أن هذه المؤسسة يجب أن توفر من 15 الى 18 بالمائة صاف, كما أصبح ممكنا لها إغلاق مصنع "فيلفورت" أو نقل مصنع الى البرازيل.و معنى ذلك هو الإنتقال من" إقتصاد الديون" الى "إقتصاد الأسواق المالية" أين تشترط حركة السيولة الكثيفة "ربحا" سريعا و على أساس أصبح "المستثرون المؤسسيون" أو "صناعيو التوظيف" يرغبون في مردود مرتفع من 15 الى 20 بالمائة.و ينتج عن ذلك أن مخاطرة رأس المال لم يعد يتحملها حامل الأسهم, فهذا الأخير أصبح يحصل مسبقا على نتائج النشاط الإقتصادي للمنشأة.و تقوم الأسواق المالية باستعمال تقنيات عنيفة ذلك أنها تحدد جزء سيولة الشركات الذي عود اليها و إذا لم يكن الأمر كذلك فانها تنسحب من رأسمالها.كما تفرض على المنشاة و ضع قواعد تحدد حقوق حاملي الأسهم و تبني مرونة العمل.و يعني ذلك بالنسبة لسامي نير الإنفصال بين الرأسمالية المنتجة و الرأسمالية المالية و تحول هذه الأخيرة الى إقطاع مالي على صورة المدن-الدولة في القرن 16.

   كانت المبادلات في الأسواق النقدية و المالية و في البورصة زمن "كينز" تمثل مرتين المبادلات السلعية.لكنها أصبحت اليوم مثلما يشير الى ذلك "ميشال بو" تمثل عشرات المرات قيمتها.فالعلاقة بين عمليات بيع و شراء العملات في أسواق الصرف و العمليات المرتبطة بالتجارة العالمية للسلع كانت 6 سنة 1979 و 20 سنة 1986 و 57 سنة 1995.و كان المجموع الصافي لعمليات الصّرف 1300 مليار دولار في اليوم سنة 1995.و يذر "هُوارد فاتشال" أن المبادلات المتعلقة بالعملات كانت 150 نليار دولار في اليوم سنة 1985 لكنها تجاوزت 1000 مليار دولار في اليوم و البعض يتحدث عن 1500 بل 1800 و 2000 مليار دولار في اليوم.و حسب الرئيس المدير العام لبنك التنمية للإقتصاد التونسي فـ"أن حجم الأموال المتداولة في العالم تبلغ 15 مرة حجم الإنتاج العالمي".و قدر "إقناسيو رامونيه" حجم المعاملات في الأسواق النقدية و المالية بحوالي 50 مرّة قيمة المبادلات التجارية العالمية.و في السوق الأوروبية للدولار في لندن المعدل اليومي لدوران رأس المال يبلغ 300 مليار دولار أي 75 تريليون دولار في العام و يدور فيها حوالي 150 مليار دولار يوميا أي ما يقارب من 35 تريليون دولار في السنة في إطار عمليات تبادل العمليات في أهم مراكز المال في العالم.ذلك في حين بلغت قيمة البضائع و الخدمات المتبادلة عالميا 6300 مليار دولار.و في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات تضاعفت القيمة الإسمية للمبادلات لتصل على مستوى العالم الى قيمة خيالية, إذ بلغت 41 ألف مليار دولار.

   كما يتجسد ذلك الإنفصال في النتيجة التي يصل اليها كاتبا "فخ العولمة" و ذلك بعد إستعراض واقع وحدة الأسواق المالية في مختلف مناطق العالم إذ "لم يعد مستوى النشاط الإقتصادي و لا المصرف المركزي الألماني(مثلا) هما اللذان يقرران سعر الفائدة في سوق المال الالمانية,بل سيقرره ما يراه أولئك الذيم مهنتهم جني الأرباح و العمل على تراكمها" من خلال التعامل في الأسهم و سندات الديون الحكومية و ما يسمى المشتقات."فالى جانب العملات يجري تداول حوالي 70 ألف من الأوراق التجارية بكل حرية عبر الحدود" و "بواسطة التعامل بالمشتقات تحرر قطاع المال من القطاع الحقيقي".و هو ما جعل من الممكن "أن المصارف قد حققت أرباحا طائلة من المخاطر التي تصاحب التذبذبات التي يفرزها التعامل بالمشتقات, فالمصرف الألماني 'دوتش بنك' بمفرده حقق من خلال المشتقات ما يقارب المليار مارك.و ما الأهمية المتزايدة لهذه العمليات في ميزانية هذا المصرف سوى دليل واحد على التغيير الذي طرأ على دور المصارف في عالم المال المعولم.فأهمية الودائع و منح القروض هي في تراجع مستمر.من ناحية أخرىفان العديد من الشركات الكبرى لم تعد في حاجة الى المصارف فهي قد صارت على نحو أوأخر مصرف, و لعل شركة 'سيمز' خير مثال على ذلك.فهي تحق بعملياتها النقدية و المالية أرباحا تفوق ما تحققه بمنتجاتها المعروفة في أرجاء المعمورة.و هناك المئات من الشركات الكبرى أضحت تصدر هي نفسها ة على مستوى العالم سندات دين تمول بها ما تحتاج اليه من رأس مال".

   ذلك الإنفصال هو ما يؤكد عليه أمحد كرم كاهية الرئيس المير العام لبنك الأمان التونسي, فهناك بالنسبة له رأس مال و رأس مال, ملاحضا أن نوعية رأس المال المستثمر شهدت تغير ملحوضا حيث أصبح نصيب تمويل الإستثمارات و التجارة الحقيقية فيها محتشما جدا بالنسبة لرؤوس الأموال المضاربة التي لا تمت للوضع الإقتصادي بصلة و يضيف "يكتسي هذا الوضع خطورة كبرى بالرجوع الى المبالغ الكبير التي تتحرك بسرعة الضوء في كل أرجاء المعمورة اليوم.من ذلك أن الحركات المالية التي تسجل كل يوم تقدر بنحو 1500 مليار دولار غير أن 3 بالمائة فقط من هذا المبلغ يوظف لتمويل عمليلت تجارية و إقتصادية حقيقية و النسبة المتبقية , أي 97 بالمائة تمثل عمليات مضاربة أو عمليات ليست لها صلة مباشرة بالنمو الإقتصادي العالمي".و في إطار تحديديه لخصائص ما يسمّه الرأسمالية الكوكبية كمرحلة مابعد إمبريالية في تطور الرأسمالية يلاحظ إسماعيل صبري عبدالله أن "دور النشاط المالي (زاد) ...الى أبعاد غير مسبوقة...و بمساندة البنوك يضارب الناس في الأسواق النقدية و أسواق أسعار الصرف بمبالغ خيالية.و حجم التعامل اليومي فيها وصل الى ترليون دولار...و تدفع ظروف النمو الإقتصادي البطيء أو موجات الإنكماش المسؤولين في ...الشركات الى الحد من الإستثمار الإنتاجي و تفضيل إستخدام فائض السيولة لديها في عمليات المضاربة في أسواق الصرف و أسواق الأوراق المالية".و كدليل على هيمنة ما يسمى الأسواق المالية يذكر صبري عبدالله "أن إجمالى إرادات القطاع المالي(بنوك و تأمين و مؤسسات إدخار و إستثمار) تبلغ 22.5 بالمائة من إجمالي إيرادات الشركات الخمسمائة الكبرى في قائمة فورتشن و نجد على العكس أن نصيب التعدين و المعادن و المنتجات المعدنية لم تزد إيراداتها عن 2.8 بالمائة"

   إن الطابع المضارب للكتلة النقدية الدائرة يجعلها بالنسبة لـ"جاك أتالي" مخطرة لأنها تتعلق بقرارات ليست لا من الميدان اللإقتصادي و لا من الميدان الإجتماعي خاصة و لكنها قرارات مالية صرفة تفرض منطق مصالها الضيقة جدا على كل الفاعلين و تتحكم في إقتسام القيم المنتجة التي لا تساهم في إنتاجها بأي شكل.و هو ما دفع "ميشال كامديسو" المدير العام الأسبق لصندوق النقد الدولي الى القول "إن ألغاء القيود على حركة رأس المال تتم أحيانا على الرغم من تعارضها مع المنطق السليم" مضيفا " إننا على عتبة الدخول الى القرن الحادي و العشرين و هو عصر بيل غيتس و جورج سوروس, بينما تدار الأسواق كما كانت أيام بالزك". هذه العودة الى رأسمالية "أيام بالزك" تجد تفسيرها, كما يعتقد سمير أمين,في كون الثورة التكنولوجية المعاصرة لا تحمل حلا للفائض الزائد و هو ما يفسر الهروب الى المضاربة المالية.فالموجة الحالية من التجديد المتركزة حول الإعلامية, ليس من الأكيد أن يكون لها نفس التأثيرات و النتائج التي كانت للسكك الحديدية و صناعة السيارات في المراحل السابقة من توسّع تراكم رأس المال.

   فالأزمة, بالنسبة لسمير أمين, كما هو شأنها دائما في ظل الرأسمالية,تعبر عن نفسها بفائض من رؤوس الأموال لا تجد مجالات تصريف ذات مردودية كافية في توسيع النظام الإنتاجي.و التصرّف الرأسمالي في الأزمة يعمل من أجل تعويض عدم الكفاية ذلك بمجارج مالية ذات مردوية, عاملا من خلال ذلك على الرّفع من شأن الأمن المالي, حتى ولو كان على حساب التوسّع الإقتصادي.و الصرف المعوّم و نسب الفائدة المرتفعة و الخوصصة و السياسات المولدة لعجز كبير جدا في ميدان مدفوعات الوريات المتحدة الأمريكية و أولوية سياسات التصرذف في خدمة دين "العالم الثالث", كل ذلك يشكل حسب سمير أمين الوسائل العملية لهيمنة الأنشطة المالية.التي يعتبرها مهاتير محمد الوزير الأول الماليزي سابق غير ضروية و غير منتجة و غير أخلاقية, فالمضاربة المولدة للتفقير يجب بالنسبة له منعها.

   و من بين نتائج هيمنة الأنشطة المالية يمكننا ذكر نظرية نزع الطابع "المادي " عن الإقتصاد, أي أن ذلك المسار الذي يتضمن فقدان ملكية عناصر مادية مثل الأرض و المواد و الألة لأهميتها مقارنة بعوامل غير "مادية" مثل المعرفة العلمية التكنولوجية المتطورة جدا و المعلومات و الإتصال و الإشهار و المالية.كما تؤدي تلك الهيمنة و إنفصال أدواتها عن حاجة الأسواق و البشر الى إدخال الإضطراب على "السوق".فالقطاع النقدي و المالي يكمن أن تدخل عليه الإضطرابات,يمكن أن تحدث فيه "عاصفة" تحمل معها العملة و الإقتصاد القوميين و الأرباح الممكنة و الإستثمارات.و قد حصل ذلك بالفعل سنة 1987 في الولايات المتحدة الأمريكية و سنة 1993 في أوروبا و سنة 1994 في المكسيك و سنة 1997 في جنوب شرق آسيا و في سنة 1998 في روسيا و البرازيل...الخ و آخر العنقود ما يعيشه كل العالم منذ 2007 و يكون قد بلغ أحد قممه في 2008 حيث يتجند كل العالم و بالإعتماد على أرقام فلكية لحل ما يسمى الأزمة المالية العالمية المنطلقة و منذ 2007 من الولايات المتحدة الأمريكية و التي نشير عرضا الى أنها ليست أزمة مالية في أصلاها أنما هي أزمة فائض إنتاج و حتى أن كانت كذلك فانها لا تشكل أزمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فقد إصطنعها وحوش المال هناك, و هذا موضوع أخر ليس هذا مجال تناوله فقط نلاحظ أن ما يسمى أزمة مالية يشكل بالنسبة لوحوش المال في أمريكيا أداة لمزيد تركيز و تمركز المؤسسات المالية هناك كأحد الأدوات الأساسية للهيمنة الأمريكية على العالم و خاصة في مواجهة أوروبا التي أصبحت في المرتبة الأولي أقتصاديا بما نسبته 27 من الإنتاج العالمي في حين تردت الولايات المتحدة الأمريكية الى المرتبة الثانية بما نسبته 18 بالمائة.و هذه قصة أخرى.

   و حسب خديجة محمد صفوت فـ "إن نسبة مساهمة الصناعت السلعية قد إنخفضت نتيجة للخصخصة و لتوفير العمل الحي في القطاع العام و الخاص و الإعتماد على كل من الصناعات الخدمية و المراكمة ببيع المال كسلعة في أسواق المال,إذ إنخفض نصيب الصناعات السلعية في الإستثمار مما ترتب عليه إنخفاض نسبة مساهمت الصناعات السلعية في المراكمة الرأسمالية مابعد الصناعية.و قد اصبحت الصناعة السلعية تسهم بما يتراوح ما بين 20 و 25 بالنائة في الولايات المتحدة الأمريكية و تنخفض هذه النسبة تباعا في بريطانيا بتوفير العامل الصناعيين بمعدل عامل كل عضر دقائق...فقد إنخفضت قيمة أسهم الصناعات الثقيلة كصناعة الحديد و الصلب...مما ترتب عليه شطبها من سجل السندات المالي للمئة صناعة التي تؤلف أقوى و أكبر صناعات في بريطانيا".

   و الى جانب ذلك تتجسد تلك الهيمنة في نمو ما يسمى إستثمارات المحفظة أو الإستثمارات العائمة التي بلغت أكثر من 500 مليار دولار و هي إستثمارات ليس لها أيّة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإنتاج,وهو ما يجعل المضاربة المتنامية مضرة بالإقتصاد الكلّي الى درجة أن البنوك المركزية لم تعد قادرة من خلال سياسة الصرف و نسب الفائدة على مواجهة إضطراب السوق الكلّي.

   و قد كان "كينز" منذ الثلاثينات حذر من النتائج السلبية لتلك الهيمنة.فاذا أُمتصت الثروة من طرف المعاملات المالية, وإذا تم إهمال الإستثمارات المباشرة فان الأمم تعرّض نفسها الى الخطر الذي حدده "كينز" بقوله أنه لا يمكننا إنتضار الكثير من وضعية حيث نمو بلد ما يصبح النتاج الثانوي لأنشطة محل ميسر.و يمكننا على أساس ذلك الإنتهاء الى إعتبار أن النمط الإقتصادي المرتبط بهذا التطور يؤدي, مثلما يذهب الى ذلك سمير أمين الى الإنغلاق في أزمة دائمة من النقص في الإستهلاك و هيمنة الأنشطة المالية.

   و إذا كان الإنفصال عن الواقع يفقد الحس بالمسؤولية تجاهه , فالأمر كذلك بالنسبة للشكل النقدي من رأس المال الإجتماعي المنفصل عن حركة الإقتصاد الواقعي-المنتج ن شأن تلك الحركة لا يعنيه في شيء.و "جورج سوروس" الذي إشتهر كمضارب في الأسواق المالية يؤكد أن التاريخ قد بين أنه من الممكن بالفعل أن تنهار الأسواق المالية مولدة الإنكماش الإقتصادي و الإضطرابات الإجتماعية.فالأسواق بالنسبة له غير مستقرّة بشكل أساسي.و على النقيض مما يصرّح به إيديلوجيو دعه يعمل,حسب قوله,فانه يصرّح أن نسقنا مهددا بالإنهيار.و إنهياره سوف يمثل مأساة لا يمكننا تخيل نتائجها.و عندما وجّه النقد الى "ميشال كمادسو" في علاقة بأزمة المكسك سنة 1994, بأن المضاربين قد جنوا ثمار المليارات الممنوحة, إعترف بذلك, و بأن "العالم في قبضة هؤلاء الصبيان" و هو لايزال كذلك الى سنة 2008 فصبيان واشنطن و باسم ما يسمى الأزمة المالية العالمية يحاولون تشديد قبضتهم على كل العالم إن لم يكن بالمضاربة فالبظرب حيث ينفقون على التسلح أكثر من كل العالم مجتمعا, 500 مليار دولارو يمركزون المؤسسات المالية بحث تحولت الى وحوش مالية تهدد كل العالم.

   و يعني ذلك وضع حد للتحالف بين أشكال رأس المال الإجتماعي (رأس المال الصناعي-المنتج و رأس المال التجاري و رأس المال البنكي-النقدي) الذي قامت عليه الرأسمالية إنطلاقا من أواخر القرن 19 و بداية القرن العشرين.و قد باشرت ما يسمى الشركات المتعددة الجنسية إنجاز ذلك’بحكم قدرتها على توفير حاجياتها المالية بدون الرجوع الى الجهاز البنكي المستقل عنها,و ما بدأته تلك المؤسسات تقوم ما يسمى العولمة بتعميقه و إعطائه شكله الناجز لمصلحة هيمنة رأس المال النقدي على بقية الأشكال الأخرى لرأس المال الإجتماعي.و ذلك هو المحتوى الفعلى لإيديولوجيا تحرير "السوق", أي تحرير رأس المال النقدي من التحالف مع رأس المال التجاري و رأس المال الصناعي.

   ففي مسار إنتاجي يهيمن عليه رأس المال الصناعي-المنتج تكون وظيفة السوق الأساسية هي تحقيق فائض القيمة أي تحويله من شكله السلعي الى شكله النقدي.و في حالة الهيمنة المطلقة لرأس المال النقدي على ذلك المسار, في ظل الإنفصال بين حركة النشاط الإنتاجي و حركة رأس المال النقدي,فان وظيفة "السوق" تصبح وظيفة ريعيّة,أي أن رأس المال النقدي لم يعد يوظّف بشكل منتج سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة,إذ نجد أنفسنا في مواجهة الوضعيّة التي تولد فيها النقود نقودا بدون أية علاقة مع الإنتاج الحقيقي و بالتالي فان المعادلة : ن-إ-ن’ تتحول بواسطة الألاعيب المالية و المتاجرة في المشتقات الى : ن1- ن2-ن3. حيث ن1 كمية النقود من شكل معين التي يتم تقديمها من أجل شراء كمية نقود من شكل أخر هي ن2, يتم مبادلتها لاحقا بدون المرور بالمسار الإنتاجي مقابل إما الشكل الأول ن1 أو شكل ثالث من النقود ن3. ما يصبع الطابع الريعي على هذه المعادلة هو أنها تمكن القائمين بها من "حق" في الثروة الإجتماعية دون أن يساهموا في إنتاجها بأي شكل من الأشكال و لا يقتصر أمرها على ذلك, بل هي تولد الإضطراب في الإقتصاد الواقعي و تتحكم في توزيع تلك الثروة.

   و بدلا من مما قاله ماركس لأسلافهم راكموا راكموا فذلك الله و المسيح يمكننا أن نقول لهم اليوم ضاربوا ضاربوا فذلك الله و المسيح.و إذا كان ماركس قد إعتبر إجراما نسبة ربح تساوي 300 بالمائة فماذا نعتبر نسبة ربح تصل الى 25000 بالمائة نعم 25000 بالمائة فورقة من فئة 100 دولار لا تكلف طباعتها أكثر من 4 سنتات.

 

 

 

 

 

Le capitalisme raconté par un "indigène"

Le capitalisme raconté par un "indigène"

Dans un village, un homme apparut et annonça aux villageois qu'il
achèterait des singes pour 10 $ chacun..

Les villageois, sachant qu'il y avait des singes dans la région,
partirent dans la forêt et commencèrent à attraper les singes. L'homme
en acheta des centaines à 10$ pièce et comme la population de singes
diminuait, les villageois arrêtèrent leurs efforts.
Alors, l'homme annonça qu'il achetait désormais les singes à 15$. Les
villageois recommencèrent à chasser les singes.
Mais bientôt le stock s'épuisa et les habitants du village retournèrent
à leurs occupations.

L'offre monta à 20$ et la population de singes devient si petite qu'il
devint rare de voir un singe, encore moins en attraper un.
L'homme annonça alors qu'il achèterait les singes 50$ chacun !!!
Cependant, comme il devait aller en ville pour affaires, son assistant
s'occuperait des achats.

L'homme étant parti, son assistant rassembla les villageois et leur dit :
« Regardez ces cages avec tous ces singes que l'homme vous a achetés.
Je vous les vends 35$ pièce et lorsqu'il reviendra, vous pourrez les
lui vendre à 50$. »

Les villageois réunirent tout l'argent qu'ils avaient, certains
vendirent tout ce qu'ils possédaient, et achetèrent tous les singes.

La nuit venue, l'assistant disparut.
On ne le revit jamais, ni lui ni son patron ; que des singes qui
couraient dans tous les sens.



Djamal Benmerad Ecrivain Bruxelles Portable: 00 32 (0) 471 30 11 01 djamalbenmerad@ ymail.comSite : http://dbenmerad. free.fr/ Blog : http://euromed. skyblog.com

الرأسمالية الأميركية وسقوط أوهام ما «بعد النيوليبرالية

الرأسمالية الأميركية وسقوط أوهام ما «بعد النيوليبرالية» - 18/10/2008  
عبد الحليم فضل الله ــ لم يحن بعد وقت التفسيرات الكبيرة، فالعجلة ما زالت تدور، ومن دروس أزمة ثلاثينيات القرن الماضي أن الانهيار لا يحصل بالضرورة دفعة واحدة، حينها تطلّب الأمر سنوات عدة وسلسلة لا تنتهي من الأخطاء، قبل أن تصبح مشكلة إفلاسات محدودة إعصاراً ضارياً حوّل ما يقارب من 2500 مؤسسة مالية أميركية إلى أنقاض. جاء رد فعل الحكومات الغربية سريعاً هذه المرة، فأنفقت أو تخطط لإنفاق بضعة تريليونات من الدولارات دون تردد، لكن الخطأ الذي حدث قبل ثمانية عقود مرشح للتكرار، وهو استخدام كل المياه المتوافرة لإخماد نيران الأسواق المالية، وترك الاقتصاد الحقيقي بعد ذلك عرضة للجفاف.
ومع أنّ الرأسمالية تفصح دورياً عن عيوبها، فإن توقع نهايتها ضرب من المبالغة، إذ تعايشت حتى الآن مع مئات الأزمات (يحصي بعض المتابعين 124 أزمة في أقل من قرن)، لكن المشكلة هي في تسارع الوتيرة وارتفاع ثمن الإنقاذ. وبما أن كلمة الرأسمالية لا تعني الشيء نفسه، فإنّ تتابع الأزمات وحدّتها منذ بدء الحقبة الريغانية، يشيران إلى أنّ أحد أشكال الرأسمالية هو الذي تداعى. والفكرة المركزية هنا هي أنّ ما نشهده اليوم هو من عوارض فشل النموذج الرأسمالي الأميركي في تحقيق قفزته التالية، من النيوليبرالية إلى ما بعدها، أي من حصر حق التنظيم والرقابة بالسلطات النقدية وحدها بعدما سلب هذا الحق من مؤسسات الدولة الأخرى، إلى طور متطرف أكثر يحظر فيه كل أنواع التنظيم والرقابة، فضلاً عن التدخل.
البداية كانت في تنامي الاعتقاد أنّ بوسع الأسواق أن تتوازن من تلقاء نفسها من دون قواعد صارمة، وبمعزل عن نظام أخلاقي (نعم أخلاقي!) من شأنه تأدية مهمات لا غنى عنها: توفير التوازن بين عنصري الكسب والاستقرار، طرد المغامرين من السوق، وضع حواجز تكبح السرعات الزائدة (مثل النمو الفائق السرعة للقطاع العقاري ثم تراجعه بسرعة أكبر)، ومنع الجيل الحاضر من استعمال موارد الأجيال الآتية عبر الاستدانة. الأمر الأخير ينطبق على الأسر الأميركية التي أقحمها خفض الفوائد في دوامة الاستهلاك، فضاعفت ديونها خلال ثلاثة عقود أكثر من عشرين مرة لتصل إلى 14 تريليوناً تقريباً. الحكومة الأميركية فعلت الشيء نفسه فموّلت توسعها في الإنفاق على التسلح بالاستدانة، ومن دون أي زيادة في الضرائب حتى لا يخدش ذلك النقاء الأيديولوجي لليبرالية الجديدة.
تنامت النزعة غير الأخلاقية في الأسواق وتحوّلت إلى موجة كاسحة. لقد كانت قوية إلى حد أنها قوّضت مسلّمات السوق، وألزمت صانعي القرار بسن قواعد جديدة تسوّغ أفعال المغامرين والمضاربين، وتجيز البحث عن ربح سريع لا يرتبط بالإنتاجية. والمفارقة هي أنه في الوقت الذي كانت فيه اتفاقية بازل 2 تفرض شروطاً أكثر تشدداً على المصارف لضمان كفاية رأس المال، عمدت لجنة مراقبة عمليات البورصة في أميركا عام 2004 إلى التخلّي عن الحد الأقصى المفروض على الديون الذي يعادل 12 دولاراً مقابل دولار واحد، ليرسل ذلك إشارة البدء بحمى المضاربات والمراهنات و«الابتكارات» الخطيرة.
ويروي ماثيو فيليبس في نيوزويك قصة ذلك «الوحش» الذي تفتقت عنه أذهان مديري مصرف J.P.Morgan. فبعدما ضاق هؤلاء ذرعاً بوجود كميات هائلة من الأموال الاحتياطية المعزولة عن آلة الربح، لجأوا إلى خلق طرف ثالث مهمته شراء المخاطر وتحمل مسؤولية التخلف عن السداد، ثم خلط البنك القروض بعضها ببعض وقسّمها إلى شرائح صغيرة وباع أكثرها خطورة لمستثمرين آخرين، معتمداً طرقاً رياضية معقدة لا يمكن لمراقبي الأسواق فهمها ورصد خطورتها. كان لدى مبتدعي هذه المنتجات الغريبة إحساساً مشابهاً للذي اعترى واضعي تصاميم القنبلة النووية الأولى، والنتائج لم تكن مختلفة كثيراً، إذ تسبب ذلك الوحش بتضخم سوق «مقايضة الديون» خلال سنوات قليلة ليصل إلى حوالى 62 ألف مليار دولار أميركي، أي ما بما يكفي لتلويث الأسواق العالمية وتحويلها إلى جحيم.
من حيث الشكل، نجحت هذه الابتكارات في زيادة تمركز الاقتصاد الأميركي ومعه الاقتصاد الرأسمالي ككل حول الأسواق المالية، ففي أقل التقديرات، ساهمت هذه الأخيرة في تحقيق 30% من مجمل الأرباح الأميركية، بل يمكن الزعم أنّ النمو المتحقق خلال ولايتي بوش عائد إلى الفقاعة العقارية وإلى تقويم الأصول المتداولة في البورصات بأعلى من قيمتها الفعليّة. ولو أعيد تقويم تلك الأرباح بعد حسم المخاطر الحقيقية لما سجل الاقتصاد الأميركي طوال تلك الفترة أي نمو. نشوة الربح عطلت القدرة على الحكم لدى جميع الأطراف المعنية: المصارف ومؤسسات التأمين، وكالات التصنيف، أجهزة الرقابة، السلطات النقدية، الحكومات... الجميع كان مطمئناً إلى إمكان الاستمرار بتلك اللعبة غير الأخلاقية وغير المعقولة إلى ما لا نهاية. ومع أن إطاحة أخلاقيات السوق تقف وراء ذلك الانفلات الغرائزي الذي تحوّل إلى تدمير ذاتي كارثي، فقد كان لها مردود جيد لصانعي اللعبة، وتكفي الإشارة إلى أنّ «إكراميات» مدراء المصارف والمؤسسات المالية ارتفعت دفعة واحدة من 24 مليار دولار عام 2006 إلى 65 ملياراً في عام 2007، فيما حقق مدير ليمان براذر وحده 500 مليون دولار في سنوات قليلة.
الانتكاسة الإيديولوجية التي تواجهها الرأسمالية لا تتعلق فقط بغلوّها وبالتناقض بين نزع دور الدولة في الاقتصاد وتضخيمه في الحرب والسياسة، إن لها صلة أيضاً بافتقارها أكثر من أي وقت مضى لمرجعية أخلاقية تهدّئ من توتر «اليد الخفيّة»، التي حاولت الانتقال إلى نموذج أكثر ليبرالية وتطرفاً، لكنها فشلت في تحقيق ذلك ووضعت الاقتصاد العالمي برمته عند حافة الانهيار.
الاخبار

العالم في  مرحلة مخاض  

 
العالم في « مرحلة مخاض »                           
غالب ابو مصلح ــ تسود العالم اليوم موجة من الذعرالمالي والاقتصادي، بحيث يصعب توقع سلوك الفاعلين في هذه الأسواق، وتجاوبهم مع السياسات والإجراءات التي يتخذها قادة دول المراكز الرأسمالية ولو على المدى القصير. فالتطورات والمتغيرات على المديين المتوسط والطويل تحكمها تغيرات المقومات الاقتصادية الأساسية ،كما  المتغيرات العالمية على الصعد السياسية والعسكرية والثقافية .  ان هذه المتغيرات الكبيرة ستحدث تغييرا عميقا في بنية النظام الرأسمالي العالمي الذي انبثق من الحرب العالمية  فهذا النظام الذي بناه المنتصرون في تلك الحرب  ولمصالحهم ،  وبقيادة   الولايات المتحدة ، عبر عن توازنات تلك الحقبة خارج اطار المعسكر الاشتراكي ، وتم تجاوز هذا النظام  او بعضه عندما اصبح غير قادر على الامساك بالعالم الرأسمالي وادارته وحكمه ، وخاصة بعد انفجار ازمته البنيوية  على الصعيدين المالي والاقتصادي . ومن الصعب توقع النظام الذي ستنتجه هذه الازمة الشاملة . هل ستؤدي الى  تجاوز هذا النظام الرأسمالي نحو نظام اكثر اخلاقية وعقلانية وواقعية من النظام الرأسمالي السائد في مرحلته الأكثر احتكارية وعولمة . أم ان هذا النظام مازال يملك من المرونة والقدرة للتطور والتكيف مع متغيرات العالم والتقنيات والامكانات والحاجات لتجديد نفسه كما فعل أبان الحرب العالمية الثانية وبعدها  ؟ 
 جرى تبسيط الازمة الراهنة من قبل الطبقات الرأسمالية الحاكمة وخاصة في الولايات المتحدة ، بغية اخفاء جذورها وعمقها وطابعها البنيوي الشامل , فقد سارع المعلقون الاقتصاديون للقول بأن الازمة هي مجرد أزمة سيولة ، يمكن تجاوزها عن طريق ضخ كميات كبيرة من السيولة في الاسواق من قبل البنوك المركزية . وقامت البنوك المركزية بهذه المهمة وما تزال دون كبح تطور الازمة .
 وقال آخرون ان الأزمة تتمثل بالرهون العقارية الفاسدة التي أعطيت لمن لا يستحقها من الفقراء وقد تم تشميل هذه الرهونات وتوريقها وبيعها الى السوق المالية التي رفعتها ووزعتها على معظم الاسواق المالية . وعند انفجار الفقاعة العقارية ، وانخفاض أثمان العقارات تحولت هذه الاوراق المالية الى كتل سامة تسد اقنية انسياب الاموال في الاسواق المالية الاميركية والعالمية .  وتمثل الحل الشافي لهذه الازمة في انقاذ أو تأميم مؤسسات الاقراض العقاري ، وتعويض خسائرها بمئات مليارات الدولارات ومن جيوب دافعي الضرائب من غير الأثرياء . ولكن هذه السياسات لم تكبح الأزمة ولم توقف نموها وتدهور الاسواق . وانتقلت الازمة من كونها ازمة سيولة الى ازمة ملاءة ، أي ان هناك نقصا في الرساميل لدى المؤسسات المالية الشاملة وخاصة تلك التي دمجت مهام التأمين مع مهمات الوساطة ،مع مهمات البنوك التجارية وبنوك التوظيف . وكان نقص الملاءة لدى بنوك التوظيف العملاقة في الولايات المتحدة بشكل خاص ، بسبب انخفاض اسعار بعض موجوداتها وارتفاع نسبة القروض المعدومة . وبما ان نسب الترفيع ( أي الاموال الاساسية كنسبة من مجموع الموجودات ) عند هذه المؤسسات وصل عند بعضها واحد الى ستين ، فان الاتجاه التنازلي للسوق اصابها بخسائر تفوق رؤوس اموالها الاساسية مما دفعها  الى الافلاس ،  وخاصة عند سحب ودائع البنوك التجارية وصناديق الاموال منها .
 وانقاذ هذه المؤسسات المالية التي شكلت حتى الماضي القريب فخر الاسواق المالية ورموز السيطرة الاميركية على الاقتصاد العالمي ، يتم عبر ضخ الأموال العامة في هذه المؤ سسات . والجهة القادرة على ذلك ، على تعويض  خسائر هذه المؤسسات الخاصة ،هم المسيطرون على الاموال العامة ، على اموال دافعي الضرائب ، أي الخزينة . وفي هذه الحال ، فان على الحكومات رفع الضرائب غير المباشرة التي يقع عبؤها على عاتق الطبقات المتوسطة والضعيفة ، وخفضها على الشركات والمؤسسات الرأسمالية الخاصة ، وخفض الانفاق العام . وخاصة الانفاق الاجتماعي الموجه للطبقات الضعيفة بشكل خاص. وهذه السياسات تعمق الفروقات الطبقية وتنمي التناقضات الاجتماعية . وعلق العديد من الاقتصاديين على هذا النهح الظالم لاكثرية جماهير البلدان الرأسمالية بانه "  اشتراكية الأغنياء" . ويرفض اليساريون هذا  التشويه في توصيف الحلول كما الاشتراكية . ويقول " مايكل ريني "  ان هذه الحلول تمثل " شكلا آخر من الرأسمالية تتولى فيه الدولة حماية الأغنياء لتقيهم من خسائر كبيرة " . كما اطلق المعلق " حيمس ريد جواي " على اجراءات بوش الاخيرة بأنها تمثل " دولة رفاهية المؤسسات " كنقيض لدولة رفاهية الجماهير ، الدولة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في ظل هيمنة أفكار ومبادئ " الكينزية " .
 وتؤدي هذه السياسات " الانقاذية " الى زيادة الدين العام ، والذي تجاوز عتبة عشر تريليونات دولار في الولايات المتحدة ، ويزيد الهوة اتساعا بين من يملكون ومن لا يملكون ، بين اصحاب رؤوس الاموال والقوى العاملة .
 ويعيد البعض الازمة الى جشع الإداريين الكبار للمؤسسات وانحدار اخلاقياتهم . ولكن جشع هؤلاء وانحدار اخلاقياتهم وقيمهم الاجتماعية لا يشكل خروجا على اخلاقيات الليبرالية الجديدة التي سيطرت على الفكر  الاقتصادي الراسمالي منذ وصول المحافظين الجدد الى السلطة في بريطانيا واميركا عند بداية الثمانينات ، وتعميم هذا الفكر على كل المؤسسات والدول التابعة.  كان " ملتون فريدمان "، نبي الليبرالية الجديدة او احد كبار رسلها على الاقل، يقول : ان "المسؤولية الإجتماعية الوحيدة لرجال الأعمال هي في زيادة أرباحهم"، وأن اخلاقيات  السوق –أي العرض والطلب – يجب ان تحل مكان اخلاقيات الفكر الاشتراكي ، أي مبادئ العدالة والمساواة والتضامن الاجتماعي وشرعة حقوق الانسان – وشكلت دولة الرفاهية عائقا امام التقدم بالنسبة للمدرسة الريغينية ، اذ ان هذه الدولة تولد " الكسل وتخلق نوعا من المرض الاتكالي الشامل الذي يجازي الكسل ويشجع على اللامسؤولية كما يقول "ميشال البرت " في كتابه "Capitalism against Capitalism  " . فالليبرالية الجديدة تمثل عودة الى الداروينية الاقتصادية والاجتماعية , انها تطلق العنان لما هو الأسوء في الانسان ، فتحث على الجشع وتقدس الربح وتراكم الثروات وتشيئ الانسان ، وتمجد الاستهلاك وتحتقر الفقراء وتنفيهم من المجتمع ، وتجعل من الفقر مسؤولية فردية لا مسؤولية مجتمع ونظام .
 جذور الأزمة
 يشير تاريخ الرأسمالية الى ان الأزمات الدورية هي من صلب النظام الرأسمالي والملازمة لتقدمه ، وذلك بسبب الخلل الملازم للنظام بين العرض والطلب ، بين نمو قدرات الانتاج نتيجة تراكم القيمة الفائضة في ايدي الرأسماليين ،ونمو الطلب الحقيقي على الانتاج  باقل من نمو القدرات الانتاجية ، مما يولد فائضا في الرساميل يضغط على معدلات الأرباح ، او عوائد رأس المال . وفي هذه المرحلة يبحث رأس المال عن فرص للتمدد الى الخارج ، فيتم تصدير رؤوس الاموال الفائضة ، او يدفع الى حروب لاعدام رؤوس الاموال الفائضة ، وتجديد الدورة الرأسمالية ، ويبقى امتصاص فائض رؤوس الاموال مشكلة قائمة لا حل جذريا لها في هذا النظام  . وحتى يومنا هذا . فان تراكم رؤوس الاموال الفائضة وبناء القدرات الانتاجية الفائضة في مراكز هذا النظام خلقت الازمات الدورية فيه . وكانت الحروب تشكل احد وسائل تدمير هذا الفائض ، عبر رفع الانفاق العسكري كما عير الدمار التي تحدثه ، فيعود الطلب الى الارتفاع مشكلا قاطرة النو الاقتصادي وتراكم جديد لرؤوس الاموال بعد ازالة القدرات الانتاجية المعطلة، هذا ما حصل في الحرب العالمية الثانية التي اخرجت الولايات المتحدة من أحدى عشرة سنة  من الركود . ولكن الازمة عادت للظهور في آواخر الأربعينات في الولايات المتحدة . وكان الهدف الاساسي من مشروع مارشال هو رفع الطلب على البضائع الاميركية لمنع الركود وتنامي البطالة، وليس اعادة اعمار اوروبا كما يزعمون . وبسبب تفجير الاتحاد السوفياتي قنبلته الذرية ، وانتصار الثورة الشيوعية في الصين بقيادة ماوتسي تونغ  ، وضعت الولايات المتحدة استراتيجية عالمية جديدة لها ، وما زالت تعمل ضمن اطرها حتى الآن . فتقرير " المجلس العسكري الوطني الـ 86 ، الذي تم وضعه بتاريخ 14/4/1950 وضع السياسات الاقتصادية للقطاع العام ، وفي خلاصته النهائية يؤكد التقرير على :  ان احد الدروس المستنتجة من الحرب العالمية الثانية وتجاربها ان الاقتصاد الاميركي عندما يعمل عند مستوى يقترب من كامل طاقته يمكنه ان يؤمن موارد هائلة لأهداف  عديدة بجانب هدف الاستهلاك المدني ، في الوقت الذي يؤمن فيه مستوى مرتفعا من المعيشة " نتيجة هذه الرؤيا بدأ الاستراتجيون الاميركيون بناء صناعة حربية كبيرة بحجة موازات القدرات العسكرية السوفياتية التي بالغوا كثيرا في قدراتها ، وللإبقاء على نسبة عمالة كاملة ، وتحت اشراف البنتاغون. وقاد ذلك إلى ما اسماه الرئيس ايزنهاور " المركب الصناعي العسكري الهائل " وحذر منه ومن تسلطه على السلطة في خطابه الوداعي سنة 1961.
فالحرب والتوسع الخارجي وبناء القواعد العسكرية التي بلغ عددها في الخارج اكثر من 750 قاعدة ، وفتح اسواق العالم امام صادرات البضائع والخدمات والرساميل الاميركية شكل السبيل الاساسي لنمو اميركا واستقراراها  واستمرار سيادتها على العالم الرأسمالي . ولكن التجربة الحية ، ودراسة عدة عقود من الانفاق العسكري وانعكاسه على الاقتصاد ، أظهر محدودية هذه الوسيلة في تأمين نمو اقتصادي دائم وعمالة كاملة، وتلافي الدورات الاقتصادية مهما تطورت آليات السياسات النقدية ، ومهما تطورت مؤسسات الاسواق النقدية والمالية وعولمتها المدعومة بتطور الحواسيب  والاتصالات . واظهرت دراسة اعدتها مؤسسة Global Insight   في واشنطن والتي يرأسها الاقتصادي Dean Baker  ، ان زيادة الانفاق العسكري ، بعد تحفيز الطلب لمدة ست سنوات ، يتحول اثره الى عامل سلبي . ووجد بيكر انه بعد عشر سنوات من الانفاق العسكري الأكثر ارتفاعا ستتقلص فرص العمل – في الولايات المتحدة – بـ464 الف وظيفة ، عن سيناريو يشمل انفاقا عسكريا اكثر انخفاضا. وقال : " يعتقد عادة ان الحروب وزيادة الانفاق العسكري لها اثر جيد على الاقتصاد . في الحقيقة ان اكثر النماذج الاقتصادية تظهر ان الانفاق العسكري يوجه الموارد من استعمالات منتجة ، مثل الاستهلاك والتوظيف ، الى استهلاكات غير  منتجة ، وفي  النهاية يبطئ النمو الاقتصادي ، ويخفض مستوى العمالة". واظهر تاريخ حرب فيتنام كما حربي افغانستان والعراق صحة هذا القول . فالحروب الرابحة والخاسرة التي شنتها الولايات المتحدة على دول وشعوب العالم الثالث خلال العقود الثلاثة الاخيرة ، فاقمت الازمة الاقتصادية الاميركية ولم تحل او تخفف منها .
 يمكن اعادة تفاقم الازمة البنيوية للولايات المتحدة  الى بداية السبعينات من القرن الماضي ، حين عجزت منظومة الدول الرأسمالية في معالجة عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات الجاري لاميركا ، والذي حول اميركا تدريجيا من اكبر دولة دائنة بعد الحرب العالمية الى اكبر دولة مدينة . ولم يجد نفعا إجبار كل من اليابان والمانيا رفع سعر صرف عملتهما بنسب عالية ، ولم يجد نفعا مؤتمر "لليوفر " الذي عمل على تنسيق السياسات الاقتصادية لدول مراكز النظام الرأسمالي . فاسقطت الولايات المتحدة اتفاقات بريتن وودز ، أي نظام النقد العالمي، وادخلت مبدأ سعر الصرف العائم . وكان هذا الانتقال طبعا لمصلحة الولايات المتحدة على اكثر من صعيد  فكدولة تعاني عجزا كبيرا في ميزاني التجارة والمدفوعات الجاري ، وكدولة مدينة، يمكها شطب اجزاء كبيرة من ديونها عبر خفص سعر صرف الدولار ، مع استمرار زيادة الطلب على الدولار لكونه العملة العالمية  الاكثر قبولا على الصعيد العالمي. فقد خسر الدولار نصف قيمته الحقيقية بين سنتي 2000 و2005. واعتماد سعر الصرف العائم زاد كثيرا من اضطرابات  أسواق النقد في العالم ، مما دفع الدول كافة الى زيادة احتياطاتها من العملات الاجنبية .  أي من الدولار بشكل خاص ، لإتقاء مخاطر السوق والذود عن  اقتصاداتها امام  ضغوطات أسواق الأموال  وحركات الأموال الساخنة في عصرالعولمة وانفتاح الاسواق . وهذا ما سبب طلبا متزايدا على الدولار حتى اليوم ، ومكن الولايات المتحدة من ان تسد عجوزاتها بتصدير عملتها لا بتنمية صادراتها وخفض انفاقها كما تعمل بقية دول العالم . فنمو الاقتصاد الاميركي لم يكن بسب  المعدلات المرتفعة من الادخار ، بل بسبب مراكمة ديون كبير على صعد القطاع المنزلي وقطاع الاعمال كما على صعيد الموازنة الفيدرالية ، مما جعل الاقتصاد الاميركي يقف على جبل هائل من الديون قابل للانفجار والسقوط . بل ان انفجار جبل الديون المتسارع نموه مرهون بتقبل دول العالم للعملة الاميركية وزيادة احتياطاتها وديونها للولايات المتحدة ، وللمديونية الاميركية حدود.
 وكان سعر الصرف العائم لمصلحة المصارف ومؤسسات الوساطة المالية بشكل خاص التي جعلت من تقلبات اسعار صرف العملات مجالا واسعا لمضاربتها وللإتجار بالمخاطر ، بحيث وصلت قيمة المضاربات بالعملات يوميا الى اكثر من 2 تريليون دولار، وقيمة المتاجرة بالمشتقات، والمرتبطة بمخاطر تقلبات أسعار الصرف إلى أكثر من 1.3 تريليون دولار ، وساهم في  اطلاق العديد من المشتقات، وحوّل السوق المالية العالمية الى " كازينو " هائل للمقامرة .
 الحقت هذه التطورات في بنية  القطاع المالي اضرارا كبيرة في قطاعات الاقتصاد الحقيقي وساعدت ، و بشكل آني  ، في حل مشكلة تدني مردود رؤوس الاموال . فقد شتت عولمة الاسواق ونمو المشتقات والترفيع، المخاطر التي نمت بشكل كبير في بعض القطاعات ، وانبتت فقاعات في سوق الاسهم ثم في سوق العقارات ، وتم وضع هذه الاسواق الجديدة المعولمة خارج اطار الرقابة الفعالة لمؤسسات الرقابات الوطنية ، فنمت بدافع الابتكارات في المشتقات وبفعل التقدم الكبير في قدرات الحواسيب وقطاع الاتصالات .
 وتحررت الاموال الى حد بعيد من الالتصاق  بقطاعات الاقتصاد الحقيقي ، وخلقت فضاء خاصا تدور فيه ، بحيث تستند الى قطاعات الاقتصاد الحقيقي وتسيطر عليها وتعرضها للكثير من المخاطر . واستطاعت هذه البنية المالية الفوقية ان تؤمن لرؤوس الاموال الموظفة  فيها ، في صناديق التحوط بشكل خاص ، وفي اطار المضاربات ، معدلات مرتفعة من الربح . ففي الوقت الذي تدنى فيه مردود التوظيفات الرأسمالية في قطاع الصناعة الى حوالي 6% ، كان مردود صناديق التحوط يتجاوز الـ 20% . واصبح ارتفاع اسعار الاسهم اهم بكثير من مردودها بالنسبة للبنية المالية المضاربة .وارتفعت اسعار الاسهم في اسواق المال من معدلاتها التاريخية التي لا تتجاوز خمسة عشر ضعف المردود الى اكثر من 45 ضعف المردود ، وتم تحقيق الأرباح ليس من مردود السهم بل من  ارتفاع ثمنه في السوق المالية نتيجة المضاربات والترفيع .
 ان هذه البنية المالية في عصر الرأسمالية الأكثر احتكارية وعولمة خلقت فقاعات متتالية في اسواق الاسهم والعقارات ،والتي انفجرت تباعا ،وتم معالجة  انفجار فقاعة الاسهم بضخ سيولة كبيرة في السوق ، مما  ولد فقاعة عقارية اكير واشد خطورة ، اذ ان مدخرات القطاع المنزلي الموظف في قطاع المساكن اكبر بكثير من المدخرات الموظفة في اسواق المال. وساعد نمو الفقاعات ،وخاصة الفقاعة العقارية في تمكين اصحاب المنازل من رفع رهونهم العقارية والحصول على اموال مكنتهم من زيادة استهلاكهم الشخصي عبر رفع الديون .
 شكل تدني مردود التوظيفات الرأسمالية عند آواخر السبعينات احد مظاهر ازمة النظام الاقتصادي الرأسمالي في ظل الكينزية التي سمت بظهور دولة الرفاهية ،وتم وضع الجيل الثاني من شرعة حقوق الانسان في ظلها . ويُعنى الجيل الثاني من شرعة حقوق الانسان بضمانات القوى العاملة وشبكات الامان لها وبمؤسساتها النقابية الحامية . وتم القفز الى الليبرالية الجديدة لحل ازمة تدني مردود التوظيف ، واسقاط دولة  الرفاهية والمؤسسات الحامية للقوى العاملة . وعمل المحافظون الجدد في البلدان الانغلو- ساكسونية أولا ، على تبني الليبرالية الجديدة وتعميمها على العالم  الرأسمالي في مراكزه واطرافه ، وتم فرضها كأيديولوجيا على مؤسسات النظام العالمي ، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ،وتم اطلاق مرحلة جديدة من العولمة ،ومرحلة جديدة من الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية . ومورست ضغوطات كبيرة من قبل " اجماع واشنطن " على دول الاطراف كافة لفتح أسواقها امام السلع والخدمات وتدفق الاموال الساخنة وغير الساخنة من مراكز النظام الرأسمالي العالمي ، كما اجبرت هذه الدول على " خصخصة " قطاعها العام وعرضه للبيع للشركات الكبرى المعولمة وللداخل ، وتفكيك اطر حماية القوى العاملة ومؤسساتها ،كل ذلك، ولتسهيل التوظيفات الرأسمالية الأجنبية الفائضة، ونهب هذه البلدان. وبذلك شكلت  هذه السياسات مرحلة جديدة من الأمبريالية المدعومة بالقدرات المالية والرقابية للبنك وصندوق النقد الدوليين ، وبقدرات عسكرية جبارة للولايات المتحدة المنتشرة قواعدها واساطيلها في كل أرجاء العالم .
 مثلت الليبرالية الجديدة مصالح الشركات الكبرى المعولمة ، والتي قلصت نطاق الديمقراطية في دول المراكز الرأسمالية ،واصبحت تتحكم في صناعة الرأي العام الى حد بعيد ، وفي تمويل وتسويق السياسيين الذين يعملون لمصالحها . كما مثلت مصالح رؤوس الاموال عامة ضد مصالح القوى العاملة في دول المركز والأطراف . فقد تم اعادة اقتسام القيمة المضافة ، أي الناتج المحلي لمصلحة رؤوس الاموال وعلى حساب نصيب القوى العاملة . يقول بول كروغمان المحلل الاقتصادي في " نيويورك تايمز " في كتابه " اميركا التي نريد "  ان متوسط دخل العامل الاميركي لم يتحسن منذ سنة 1973 ، رغم ان ما ينتجه الفرد زاد 50% منذ ذلك التاريخ .  فالعاملون من شريحة الاعمار من 35 الى 45 سنة ، تدنى دخلهم بنسبة 12% عما كان عليه في 1973 " ان ارباح  زيادة الانتاجية لو وزعت بالتساوي على القوة العاملة ورؤوس الاموال لزاد دخل الفرد 35% عما كان عليه سنة 1970 " . عن (الحياة 15/9/2008 ) وتقول مجلة الأيكونومست [ Sept16th006 ] ان الشركات الاميركية الكبرى زادت نصيبها من الدخل القومي من 7% في اواسط سنة 2001 الى 13% سنة 2006 . وتقول ان العولمة رفعت الارباح مقابل الأجور بعدة طرق  
" اذا كان الناتج المحلي للفرد يرتفع بقوة ، لماذا ينخفض الدخل الحقيقي لمعظم العاملين ؟ جزئيا لأن حصة اكبر تذهب للأرباح ،وجزئيا ايضا لان اصحاب الرواتب العليا حصلوا على  جزء كبير من الزيادة في الدخل مسببا نمو عدم المساوة . 1% من اصحاب الرواتب الأعلى يحصلون على 16% من مجمل المداخيل ، وذلك من معدل 8% لسنة 1980 . ونما عدم المساواة ايضا في اوروبا واليابان ولكن ليس بالنسبة ذاتها " . اما في دول الاطراف التي تحكمها طبقات اقطاعية مالكة او برجوازية حاكمة، فالصورة  أشد سوادا. والأمثلة متعددة في الوطن العربي ،وخاصة في مصروالاردن ولبنان . ففي العديد من الدول العربية ارتفع الناتج المحلي ولكن الدخل الحقيقي للقوى العاملة تدهور بشكل حاد ، مما أسقط الطبقة  الوسطى  او الغاها تقريبا ووسع نطاق الفقر ، والفقر المدقع ، واحدث تنمية سلبية او مزيدا من التخلف ، ويمكن وصف التخلف بالنمو المشوه. ويمكن القول ان الليبرالية الجديدة مثلت فكر ومنهج الرأسمالية في مرحلتها  الاكثر احتكارية وعولمة ، أي مرحلة الامبريالية الجديدة .
أطلقت الليبرالية مرحلة جديدة من العولمة ، و سارعت عملية الدمج والاستحواذ بين المؤسسات والشركات ، مما رفع معدلات التمركز والاحتكارات ، فمكن الرأسمالية من رفع نصيب رؤوس الاموال من الناتج على حساب نصيب الاجور ، وابطأ زيادة الانتاج والنمو على المدى الطويل ،واسس لأزمات اجتماعية ومالية واقتصادية متتالية ، تتصاعد حدتها حتى تصل الى مرحلة الانفجار . فخفض اجور القوى العاملة في مراكز النظام، والمواكب لتدني القدرات التنافسية في قطاعات الاقتصاد الحقيقي ، يتناقض مع زيادة الانتاج ،وخاصة اذا ما تعثرت المغامرات الإمبريالية كما يحدث اليوم لأميركا، وتفلتت بلدان عديدة مثل معظم بلدان اميركا اللاتينية من مخالبها، ونمت بلدان اخرى مثل الصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل وايران ، و اصبح لديها قدرات تنافسية عالية . فزيادة الانتاج الضروري لتنمية الارباح يعتمد على نمو الطلب المحلي ، اي على القدرات الشرائية للقوى العاملة التي تتناقص قدراتها الشرائية نتيجة السياسات الليبرالية . وفي الولايات المتحدة كما في معظم البدان الرأسمالية ، يشكل نمو الطلب  الداخلي قاطرة النمو الاقتصادي . لذلك ابتكرت الليبرالية الجديدة قضية تنمية الطلب الدخلي بالديون ، وأيضا عبر الاقراض عالي المخاطر، أي دون اخذ ضمانات لاشخاص غير  مليئين وعبر خفض الفوائد الحقيقية ( الفوائد ناقص معدل التضخم ) الى ما دون الصفر . فنشأت سندات الخردة ( Junk Bonds) عند انهيار اسعار الاسهم ، كما نشأت القروض العقارية الفاسدة والتي اسقطت أكبرمؤسسات الرهن العقاري ، عندما انهارت اسعار المنازل . اكثر من       ذلك موّل ارتفاع اسعار المنازل عبر المضاربات المالية .استدانة القوى العاملة عبر رفع الرهونات على المنازل التي يرتفع سعرها السوقي . وكذلك تم رفع الطلب عبر زيادة الديون بواسطة بطاقات الائتمان والتي تبلغ الفائدة المدينة عليها اكثر من 20% .
 فالفقاعات لا تنمو بالصدفة في السوق . بل يتم تكوينها وتنميتها لأسباب موضوعية ولخدمة رؤوس الأموال الباحثة عن مخارج وساحات وأدوات مالية لتنمية أرباحها ودفع ازماتها البنيوية الى الأمام ، فتتراكم ثم لا بد ان تنفجر .
 جبل الديون
 ان سياسات تنمية الطلب بالديون خلق في أميركا جبلا هائلا من الديون العامة والخاصة ، لقطاع المنازل كما لقطاع الاعمال . وبلغ اقراض المصارف في اميركا حسب بيانات حديثة حوالي 70 تريليون دولار ( Information Clearing House “the Crash of Western civilization by Richard C.Cook 15/9/2008)
وبلغ الدين العام اكثر من 10 تريلون دولار حتى اليوم ،ويرتفع بسرعة كبيرة نتيجة تنامي عجز الخزينة لاربعة اسباب (1) ان الانكماش الاقتصادي التي دخلت مرحلته الولايات المتحدة سيقلص كثيرا من واردات الخزينة نتيجة هبوط الانتاج والارباج (2) ان النقص المتصاعد في ملاءة المؤسسات الرأسمالية يٌفرض على الخزينة مد هذه المؤسسات بأموال طائلة تتخطى كثيرا الـ 700 مليار دولار المخصصة لذلك (3) ان زيادة البطالة والفقر سيجبر السلطة على زيادة تقديماتها للشرائح الضعيفة في المجتمع خوفا على السلم الاهلي وعلى النظام العام (4) ارتفاع الانفاق العسكري الاميركي الى معدلات غير مسبوقة لا تظهرها  أرقام موازنة البنتاعون .
 فقد تجاوزت كلفة حربي العراق وافغانستان حسب " جوزف ستغلتز" الـ 3 ترليونات دولار ، ويستفيد منها طبعا المجمع الصناعي العسكري النفطي . فقد ارتفعت اسهم شركات صناعة الاسلحة والذخائر ، كما  اسهم الشركات النفطية الى ارقام قياسية . فالحروب مريحة جدا لهذه الشركات ويدفع ثمنها دافعوا الضرائب . فقد بلغت ميزانية البنتاغون لسنة 2008 كما أعلنت في شباط 2007 ، 481.4 بليون دولار لتغطية الرواتب والعمليات، (ما عدا افغانستان والعراق). ولكن هناك ايضا 141.7 بليون لتمويل القتال ضد الارهاب ، و 93.4 بليون لتغطية تكاليف حروب غير مذكورة ، مثل حرب الصومال بواسطة اثيوبيا ، و50 بليون على حساب موازنة 2009 ليصبح المجموع 766.5 بليون دولار . ولكن هناك نفقات اخرى ايضا مثل 23.4 بليون لوزارة الطاقة لتطوير وصيانة الرؤوس النووية ، و 25.3 بليون دولار لوزارة الخارجية للانفاق على المساعدات العسكرية الخارجية ، و1.3 بليون لتطويع المجندين و 75.7 بليون لجنود معاقين في القتال ( منهم 28870معاقا في حرب العراق ) و 46.4 بليون للامن الداخلي و 1.9 بليون للـFBI  ، و 38.5 بليون دولار للجنود المتقاعدين ، و7.6 بليون دولار للنشاطات الجوية والفضائية ، و 200 بليون فوائد على قروض سابقة للدفاع . فتبلغ الميزانية الحقيقية 1.1 تريليون دولار ، اي  ان الموازنة الحقيقية هي اكثر من ضعف الموازنة المقره للبناغون  ( نفس المصدر )
المقومات الاقتصادية والبنية التحتية
إنعكست السياسات المالية والنقدية والاقتصادية المتبعة منذ عقود في البلدان الرأسمالية المركزية ،وخاصة في اميركا ، سلبا على معظم المقومات الاقتصادية الاساسية . فقد تدنت معدلات الادخار الوطني الى حول الصفر في الولايات المتحدة . ومعدلات الادخار تساوي في النهاية معدلات التوظيف . و اصبحت معدلات النمو للتوظيف الان حوالي واحد الى خمسة ، أي ان نموا  حقيقيا قدره  واحد في المئة يتطلب ادخارا بمعدل خمسة في المئة . فالصين التي يلغ نمو ناتجها المحلي حوالي عشرة في المئة تحقق ادخارا وطنيا بنسبة 50% . أي ان معدل الادخار في الولايات المتحدة على المديين المتوسط والطويل لا يسمح لها بأي نمو اقتصادي فعلي .
ثم ان عجز الموازنة بلغ 2.5% من الناتج المحلي القائم ، وسيرتفع هذا العجز بنسبة عالية نتيجة " برامج الانقاذ " التي تضع على الموازنة الفيدرالية أعباء انفاق مرتفعة أما الميزان التجاري فقد حقق عجزا بلغ 844.6بليون دولار للاشهر الاثني عشر المنصرمة .ويعاني حساب المدفوعات الجاري عجزا سنويا بلغ 699.0 بليون دولار ويساوي 4.2 %  من الناتج  المحلي . وتجاوز الدين العام عشرة تريليون دولار حتى الان (Economist .Dec.4th2008 The ). ونمت معدلات البطالة بنسب عالية، من حوالي 4% إلى 6.1%. ولكن معدلات البطالة الحقيقية تبلغ أكثر من ضعف هذه الأرقام الرسمية، إذ أن الاحصاءات الرسمية  تسقط من تعداد  العاطلين عن  العمل من لم يجدوا عملا لمدة ستة اشهر ، كما تسقط من تعداد العاطلين عن العمل من يعمل بعض الوقت، ولبضعة أيام في الشهر.     
 وانعكس عجز الموازنة ونمو جبل الديون سلبا على البنية التحتية الاميركية التي اخذت في التدهور منذ عدة عقود . وتدهور البنية التحتية يعيق الاقتصاد الحقيقي ويكبح نوه ، بل يؤدي الى تدهوره . ويقول تقرير للرابطة الاميركية للمهندسين نشر في مجلة " نيويورك ريفيو اوف يوكس " انها- أي الرابطة – تطالب منذ مدة بالاهتمام بالبنية التحتية المهددة بالانهيار . فثلاثون في المئة من الجسور الكبيرة فيها قصور شديد ، وفقدت صلاحيتها ، وتحتاج الى انفاق نحو 9.4 بليون دولار سنويا ولمدة عشرين عاما لاصلاحها . وان عدد السدود غير الآمنة في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 33% حتى وصل الى 3500 سد . وان حالات المواصلات العامـــــــــــة (حافلات وقطارات انفاق وسكك حديد) تزداد سوءا بسبب زيادة الطلب عليها نتيجة ارتفاع اسعار الوقود ،وان الميزانيات المخصصة لمياه الشرب تفي بحاجات نسبة بسيطة من الاحتياجات على المستوى القومي .  ومخصصات الصرف الصحي لا تصل الى الحد الادنى الذي يؤمن الحفاظ على وضعها الراهن . اما النقل الجوي فان النقص الشديد في مهابط الطائرات سبب 1.8 ساعة تأخير في مواعيد اقلاع الطائرات.  واعادة ابنية المدارس الحكومية ،  واعادتها الى واقع مقبول فيحتاج الى ربع تريليون دولار ( الحياة 6/10/2008 ) .
 ويقدر الناتج المحلي الاميركي بحوالي 14 مليار دولار . ولكن  قسما كبيرا منه هو ناتج افتراضي تولت انتاجه  البنية المالية  الفوقية في الاقتصاد نتيجة المضاربات ونمو المشتقات المالية والمتاجرة بها والثروات الافتراضية التي تولدها ، وهو ناتج لا علاقة له  بالاستهلاك الشعبي . وهذه البنية الاقتصادية الافتراضية هشة وقابلة للسقوط عندما تهتز البنية الاقتصادية الحقيقية التي تستند اليها.
 وهذا الاقتصاد الاميركي المتربع فوق جبل هائل من الديون الوطنية والخارجية ذو البنية التحتية المتهالكة، وذو المقومات الاقتصادية الضعيفة، هو اقتصاد هش وقابل للسقوط ولا بد من ان يسقط لما يولده من أزمات اقتصادية وتناقضات اجتماعية داخلية، او عندما يتوقف الخارج عن تمويل الاسراف الاميركي والحروب الامبريالية الاميركية . 
فشل السياسات الليبرالية الجديدة 
لم تستطع السياسات الليبرالية الجديدة المتبعة منذ بداية الثمانينات حل ازمة النظام الرأسمالي العالمي . نجحت في اعادة تقسيم القيمة المضافة لمصلحة رؤوس الاموال ، فخفضت الرواتب والاجور الحقيقية ، ومولت الاستهلاك بالديون لا بالمداخيل بغية توليد نمو موهوم وزائف ، وشنت الحروب العدوانية الخارجية لتحفيز الطلب ورفع معدلات العمالة، وللإمساك بشرايين العالم الاقتصادية ونهب ثروات دول العالم الثالث بغية التعويض عن تدهور قوتها الاقتصادية. ولكنها لم تستطع ان تحل مشكلة معدلات مردود التوظيفات المنخفضة لرؤوس الاموال   فقد تراجع مردود رؤوس الاموال في قطاعات الاقتصاد الحقيقي الى حوالي 6%  بينما وصلت  الارباح في الصناعة المالية ، وخاصة لدى صناديق التوظيف الى حوالي 20% . وارتفع نصيب صناعة الخدمات من مجمل ارباح الشركات من 10% عند بداية الثمانينات ، أي عند وصول المحافظين الجدد الى السلطة ، الى 40% عند ذروتها في سنة 2007 ( The Economist Sept20th20085 ) . ان هذا التفاوت الكبير في مردود التوظيف جذب رؤوس الاموال الى التوظيف في قطاع الخدمات وخاصة المالية منها ، وبعيدا عن قطاعات الانتاج الحقيقي . وتدنى بالتالي إداء  قطاعات الاقتصاد الحقيقي ، وخاصة الصناعة ، فقد تدنى نصيب الصناعة الى 13% من الناتج المحلي الاميركي ، وبدأ هذا التدني منذ بداية الثمانينات ايضا . واصبح الانتاج الحقيقي للصين مقاسا بالقيمة الحقيقية ( P.P.P ) Purchase Power Parity أكبر من الناتج الحقيقي الاميركي . فبين سنتي 1979 و 1992 خفضت اكبر 500 شركة صناعية اميركية عدد العاملين فيها بـ 4.4 مليون عامل كما يقول كتاب Global Dreams  للكاتبين Richard Barnet and John Cavanagh    ،
 وتسارع انهيار قطاع الصناعة الاميركي في السنوات الاخيرة مما وسع عجز التجارة غير النفطية ، واسقط 5.6 مليون وظيفة في العام الماضي ، وكانت اكثر الولايات تضررا ، ولايتي ميشيغان وساوث كارولينا ( عن الحياة 3/8/2008) . ولم يقتصر تراجع قطاع الصناعة على الولايات المتحدة ، بل امتد الى اهم قلاع الرأسمالية التي سلكت طريق الليبرالية الجديدة مثل بريطانيا وفرنسا . وفي فرنسا اعلنت شركـــــة  " بولير هيرميس للتأمين على القروض " ان اكثر من 28500 شركة فرنسية افلست في النصف الاول من العام الحالي ، وبزيادة 15% عن الفترةذاتها من العام السابق ، مع تدهور المناخ الاقتصادي ( الحياة 4/9/2008)
 ان نمو اقتصادات بعض الدول الرأسمالية الكبرى مثل اميركا وبريطانيا بشكل خاص خلال العقود الماضية أعتمد بشكل كبير على الاقتراض والترفيع في سوق مالية هشة ومسيطرة على قطاعات الاقتصاد الحقيقي التي تقودها مصالح البنية المالية الفوقية المضاربة ، وغير المراقبة بالقدر الكافي . وعلى رأس هذه البنية صناديق التحوط (Hedge Funds  ) وهذه الصناديق عبارة عن تجميع للرساميل غير المقوننــــــة (Unregulated ) الا بشكل بسيط . وتستدين هذه الصناديق لتنمية مواردها من البنوك ، وتعمل على تحقيق ارباح اذا ما اتجهت السوق صعودا او هبوطا ، عبر الرهان على تحولات اتجاه السوق . واستطاعت هذه الصناديق ان تحقق نموا كبيرا من حيث العدد وقيمة الأموال التي تديرها . فارتفع عددها من 610 صندوقا في سنة 1990 ، تدير 39 بليون دولار من الموجودات ، الى اكثر من 9000 صنودق تدير 1.3 تريليون من الموجودات في سنة 2000 ( The Economist Nov.18th 2006)  ، ونما عددها وموجوداتها بنسب كبيرة حتى اليوم .  وتبني هذه الصناديق انصبة لها في الشركات المستهدفة " وتستعمل قدراتها للدفع من اجل تغييرات استراتيجية ، من عرض الشركات للبيع الى وضع ممثليهم ( اي الصناديق ) في مجالس ادارة الشركات  . هؤلاء هم تجار وليسوا موظفين (Investors ) . فهذه الصناديق تستهدف الربح السريع الناتج عن ارتفاع ثمن اسهم الشركات على المدى القصير حيث تنسحب منها بعد رفع ثمن الاسهم بكل الوسائل الممكنة ، محققة ارباحاً عالية . فالتوظيف في الصناعة يمكن ان يعطي مردودا جيدا نسبيا على المديين المتوسط والطويل ، والصناديق غير مهتمة بذلك . فسيطرة الصناديق على بعض المؤسسات الصناعية يفسد الشركات فيلحق بها اضرارا كبيرة على المديين المتوسط والطويل .
 نجحت الليبرالية الجديدة في اعادة هيكلة الاقتصادات الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ، واطلقت ما اسمــاه بعض دعاتها " عصـــــر ما بعد الصناعــــــة "( Post Industrial Age  ) . وهذا العصر الجديد يعتمد بشكل اساسي على قطاع الخدمات لا الانتاج الحقيقي وخاصة على الاسواق المالية الحديثة ،وعلى قطاع المعلوماتية الشديد الارتباط بقطاع المال ، وبالتصميم والتجارة والاعلان . فشركة " نايك " مثلا تصمم الأحذية وتقوم بتسويقها . ولكن مصانع أندونسية يملكها كوريون جنوبيون تصنع الأحذية ، حيث يكلف الحذاء حوالي 6.4 دولارا اميركيا ، يباع ما بين 70 و 120 دولار في انحاء العالم . ويحصل مايكل جوردان من الدعاية لهذه الاحذية على مبالغ تفوق كل اجور صانعي الاحذية في اندونيسيا ، والذين يعملون 12 ساعة في اليوم وسبعة ايام في الاسبوع وانثي عشر شهرا في السنة دون راحة او عطل.
 يقول بول سويزي ان منطق النظريات الاقتصادية كله، يشيرالى النتيجة التي وصل اليها جون ستراتشي (John Starchy ) : " ان الإتجاه الحتمي لاقتصاد احتكاري ، يتألف من شركات جبارة هو نحو مزيد من اللامساواة ، ومزيد من عدم الاستقرار " .  [P. Sweezy .Modern Capitalism P. 74]. وتزداد الضغوط على ذوي الدخل المحدود في اميركا . وابلغ خبراء لجنة تابعة للكونغرس الأميركي ، ان المشاكل الاقتصادية للطبقة المتوسطة بدأت منذ سنوات ، على رغم ان احتمال انزلاق الاقتصاد الاميركي الى الركود ، اثيرت في صيف سنة 2007 " وتحت وطأة ارتفاع اسعار البنزين وانخفاض قيمة المنازل ، وارتفاع كلفة الرعاية الصحية وانعدام نمو الدخل منذ سنة 2007 فان التوقعات سيئة لاصحاب الدخل المتوسط والمنخفض ." وأظهرت بيانات مكتب الاحصاء السكاني ان متوسط الدخل السنوي للاسرة الاميركية في الشريحة العليا بلغ عام 2006 نحو 168.170 الف دولار  ، تساوي 15 ضعف المتوسط الدخل في ادنى الشرائح  ، وان دخل اغنى 20% من السكان تجاوز نصف الدخل في البلاد (الحياة 24/7/2008 )
 ان هذا النظام الرأسمالي العالم ، والذي فاقم الفروقات الطبقية داخل دول المراكز الرأسمالية ، فاقم الفروقات ايضا بين دول المركز ودول الاطراف . فحتى سنة 2006 أصبح 2% من سكان العالم يملكون نصف ثروته ، بينما يملك نصف سكان العالم الافقر 1% منها فقط . وذلك حسب دراسة قام بها " المعهد العالمي لتنمية البحوث الاقتصادية" التابع لجامعة الأمم المتحدة في هلسنكي .
 ان ازمة هذا النظام لم تبدأ مع انفجار ازمة الفقاعة العقارية. ولم تبدأ مع ازمة السيولة في المصارف ، وازمة القطاع المالي في اميركا ، والتي امتدت الى اوروبا والى معظم دول العالم . فقد نمت وتراكمت الازمة البنيوية منذ ما قبل وصول المحافظين الجدد الى السلطة في بريطانيا واميركا عند بداية الثمانينات . وتم دفع الازمة الى الامام بسياسات تفاقم الازمة ولا تحلها بل تراكمها وتفاقم امراض النظام . حتى ان محافظ البنك المركزي الاميركي السابق والأكثر شهرة " ألان غرين سبان " حذر في عام 2002 وفي اعقاب سقوط شركتي " انرون " و " غلوبال كروسنغ "  ان " الرأسمالية لم تعد تعمل ،وهناك عملية تجري لافساد النظام المالي " ( الحياة 6/10/2008)
 باختصار شديد يمكننا القول ان هذا النظام الرأسمالي العالمي الذي تم بناؤه في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، والذي بناه المنتصرون بقيادة وهيمنة الولايات المتحدة الاميركية ، وتم تطويره وتغييره حسب مصالحها الخاصة ، هو نظام آيل للسقوط . وازمة النظام الرأسمالي في مرحلة الامبريالية الجديدة التي بدأت مع وصول المحافظين الجدد الى السلطة في بريطانيا واميركا ، ليست ازمة عابرة ، وليست مجرد ازمة سيولة وملاءة ، بل انها ازمة بنيوية شاملة للنظام على الصعد النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية ، كما على الصعد الاخلاقية والسياسية والعسكرية .
 حسبت  الرأسمالية في مرحلتها الاكثر احتكارية وعولمة ، وبقيادة الولايات المتحدة ، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بانها وضعت حدا  للمسيرة التاريخية الصاعدة للبشرية، بأنها اوقفت جدلية التاريخ، وابدت نظامها، وتربعت على عرش العالم لأمد غير منظور . توهمت ان القرن الواحد والعشرين سيكون قرنا اميركيا بأمتياز كما  القرون التي ستليه . واطلق بوش مبادئه المشهورة , مبادئ حق اميركا في شن الحروب الاستباقية والوقائية لأدامة تفوقها وسيطرتها على العالم ، ولترسيخ الفرادة الاميركية والسلوك الاميركي المتحلل من كل القيم والاخلاق والمثل ، كما من كل المواثيق والمعاهدات الدولية . كما جعل الفضاء الخارجي ارضا اميركية محروسة . ووضع خطوطا حمراء امام تقدم أية دولة في العالم  تحاول مزاحمة اميركا او تجاوزها . انه نظام القطب الامبريالي الأوحد ، نظام السيد الأوحد لهذا العالم .
 ولكن سرعان ما تهاوت مبادئ بوش ، عندما تبينت محدودية القدرات الاميركية على كل الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية . فأميركا التي قال عنها " مارتن لوثر كنغ " بأنها " اكبر متعهد للعنف في كوكب الأرض " علقت في الفخ العراقي الذي استنزف حتى الآن ، وحسب جوزف شنيغلتز ، اكثر من 3 تريليون دولار من امكانياتها  المادية ، كماغرقت في المستنقع الافغاني الذي يزداد عمقا . وبذلك استطاع العديد من دول اميركا اللاتينية – الحديقة الخلفية لأميركا – ان تفلت من براثينها وتختار طريقا آخر لنموها . واستطاعت كوريا الشمالية ان تقف وقفة تحدي لاميركا وان تفلت من العقاب . واستطاعت ايران وسوريا من اتخاذ موقف الممانعة ضد الهجمة الأميركية  الصهيونية التي كانت تتوعد باجتياح سبع دول عربية واسلامية خلال خمس سنوات . واستطاعت روسيا ان تقف لتصد الزحف الأطلسي عليها الهادف لحصارها وخنقها وتفتيتها .
 ان عالما جديدا ينبثق ، وسيبنى على انقاض عصر الهيمنة الاميركية . وعلى انقاض النظام الرأسمالي العالمي الراهن ، الاقتصادي والسياسي والقيمي والاخلاقي . فأميركا العاجزة عن تحقيق انتصارات في العراق وافانستان ، كما  في فلسطين ولبنان والصومال ، والتي ترى فيها شعوب العالم عدوا  لحريتها وتهديدا للسلم العالمي ، والتي ارتكبت ابشع الجرائم في التاريخ ضد سكان  اميركا الأصليين كما ضد  زنوج افريقيا ، والتي ترتكب جرائم ضد الانسانية كل يوم في افغانستان والعراق وفلسطين والصومال وفي غيرها من دول  العالم الثالث ، وتعيد المكارتية في حكم الداخل ،وترهب العرب والمسلمين ، وتجردهم من حقوقهم كمواطنين اميركيين بحجة محاربة الارهاب ، وتقلص نطاق الديمقراطية  التي تدعو لها زورا في الخارج ، ان هذه الاميركا لم تعد قادرة على حكم العالم والتحكم بمصيره .
 يقول استاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد ( Ben Jamin Freidman ) : " مرة بعد اخرى ، كانت دائما الدولة الدائنة الاكبر في العالم . هي الدولة الاولى من حيث التأثير السياسي والدبلوماسي والثقافي . ولم يكن صدفة اننا اخذنا هذا الدور من البريطانيين في الوقت الذي اصبحنا فيه القوة الدائنة الأولى في العالم . اليوم لم نعد القوة الدائنة الاولى . في الحقيقة نحن الدولة المدينة الاولى في العالم . ونحن نستمر في قدرتنا على التأثير على اساس القوة العسكرية فقط."
وفي الوقت التي تتراجع فيه قدرات اميركا وحلفائها من دول المراكز  الرأسمالية العالمية ، تتقدم العديد من شعوب العالم الثالث ودوله ، متفلته من التبعية لمراكز النظام الرأسمالي العالمي ، متخطية حواجز التخلف العلمي والتقني والاداري والفقر.  فهناك العديد  من الاقتصادات الصاعدة  في العالم اليوم التي رفعت من تأثير حضورها الاقتصادي والسياسي والثقافي والعسكري  . فهذه الاقتصادات الصاعدة اصبحت تملك  وحتى سنة 2006، 70% من احتياطات النقد الاجنبي في العالم ، وتحقق معدلات ادخار وتوظيف مرتفعة تربو على 6% سنويا . وتخطت احتياطات الصين 1.9تريليون دولار ،وخفضت بنسب عالية مستوى الفقر لديها ، ورفعت كثيرا من معدلات الدخل الفردي . وتقف معظم الاقتصادات الصاعدة خارج اطار الازمة الاقتصادية البنيوية العالمية . فالصين مثلا تقف متفرجة على الأزمة والتي لن تتأثر بها بأكثر من انخفاض نمو دخلها القومي من 11% الى 9% حسب اكثر التقديرات تشاؤما نتيجة ركود اسواق صادراتها . والدول التي لم تفتح اسواقها بشكل كلي على الخارج ، وخاصة سوقها المالي ، وابقت على دور الدولة في التخطيط والمراقبة لضبط الأسواق ، ولم تطلق آليات السوق وتخضع لأخلاقياتها ، ستبقى اقل تعرضا للأزمة الاقتصادية الشاملة ومظاهرها المالية والنقدية .
 ان عالما جديدا سيبنى على انقاض النظام الرأسمالي الراهن ، وسيفتح الباب مجددا للخيار الاشتراكي الذي يتخطى النظام الرأسمالي الوحشي الذي اعاد طرح الداروينية الاقتصادية ، واسقط الاخلاقيات الاشتراكية ، اخلاقيات العدالة والتضامن الاجتماعي ، اخلاقيات تحرير الانسان وتنمية جوهره الخلاق المبدع المتسامي نحو المثل الأعلى ، بدل تشييئه وتحويله الى عامل انتاج واستهلاك لمصلحة تراكم رؤوس الاموال . لا بد من اعادة احياء شرعة حقوق الانسان وخاصة الجيل الثاني منها والمتعلق بحقوق الطبقات العاملة ، واعادة احياء الحقوق والضمانات التي انتجت دولة الرفاهية في الغرب .
 ان عالما جديدا لا بد ان ينبثق ، على انقاض مجتمعات الاستهلاك الرأسمالية ،والتي استطاعت ان تبني مجتمعات الاستهلاك والبذخ الشديدين على حساب فقر الاكثرية الساحقة من شعوب العالم الجائع المريض المتخلف .
 ان نهوض معظم  شعوب العالم الثالث سيسقط انماط الحياة في الدول الرأسمالية الغربية، اذ  ان خيرات العالم المتجددة  وغير المتجددة لن تكفي لهذا النوع من الاستهلاك السائد في الغرب . ورأينا خلال السنة الحالية كيف ارتفعت اسعار المواد الخام والغذاء نتيجة تزايد الطلب عليها . فالعالم اليوم يستهلك 1.4 أضعاف ما تستطيع الكرة الارضية اعادة انتاجه من الأسماك والأشجار سنويا . ويتضاعف استهلاك العالم من المياه مرة كل 20 سنة ، وذلك معدل لا يمكن ان يستمر . والمياه المتجددة للكرة الارضية ليس لها بديل مثل النقط – ويبذّر نظام الاستهلاك الموارد المائية المتجددة للكرة الارضية . ان خمس شركات كبرى لإنتاج الطعام والمشروبات تستهلك تقريبا 575 مليار ليتر من المياه سنويا ، والذي يسد الحاجة اليومية لكل شخص على هذا الكوكب . وانتاج 200مم من الرقائق من اشباه الموصلات يحتاج الى 13 متر مكعب  من المياه على سبيل المثال  [ The Economist Sep16th 2006 ]  وارتفاع اسعار المواد الغذائية كان جزئيا بسبب نمو القدرات الاستهلاكية لبعض شعوب دول العالم الثالث  التي طورت انماط استهلاكها للمواد الغذائية وضاعفت استهلاكها من اللحوم . وانتاج كيلوغرام من اللحم الاحمر يحتاج الى 8 كيلوغرامات من الحبوب .ولا تكفي خيرات الارض لرفع استهلاك شعوب العالم من اللحوم، على سبيل المثال، مع صعود إقتصادات معظم شعوب العالم الثالث . فان صعود شعوب العالم الثالث سيجبر شعوب العالم الاول على تغيير انماط حياتها والتخلي قسرا عن انطمة الاستهلاك وقيم الاستهلاك السائدة اليوم في العالم.
 ثم ان النظام السياسي العالمي ومؤسساته التي تسيطر عليها الولايات المتحدة من مجلس الامن الى منظمة التجارة العالمية ، الى صندوق النقد والبنك الدوليين . اصبحت لا تمثل توازنات هذا العصر وتغيير موازين القوى فيه. واصبحت غير قادرة على حل مشاكل هذا العالم واحتواء صراعاته. اصبح من غير المقبول ان تمتلك اميركا وحدها حق النقض في البنك الدولي ، وان تحتكر ادارته ، ومن غير المقبول ان تحتكر اوروبا حاكمية صندوق النقد الدولي ،  من غير المقبول ان يتحول البنك والصندوق الدوليان  الى أدوات امبريالية اميركية ، لخدمة مصالح الهيمنة الاميركية  في العالم .  من غير المقبول ان تحتكر حفنة من الدول حق النقض في مجلس الامن ،وان يكون مجلس الامن ،وليست الجمعية العامة للأمم المتحدة مركز السلطات ومصدر القرارات الدولية
 ان ما نراه اليوم من  أزمات على الصعد النقدية والمالية والاقتصادية يعبر عن المخاض العظيم للعالم ، والذي سيولد عالما آخرا ، اكثر عدالة وانسانية وعقلانية في مسيرة البشرية على هذا الكوكب .                                            

The Greatest Transfer of Wealth in History

Financial Meltdown: The Greatest Transfer of Wealth in History How to Reverse the Tide and Democratize the US Monetary System
By Ellen Brown
URL of this article: www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=10589
Global Research, October 17, 2008
author's website: webofdebt.com 

"Admit it, mes amis, the rugged individualism and cutthroat capitalism that made America the land of unlimited opportunity has been shrink-wrapped by half a dozen short sellers in Greenwich, Conn., and FedExed to Washington, D.C., to be spoon-fed back to life by Fed Chairman Ben Bernanke and Treasury Secretary Hank Paulson. We’re now no different from any of those Western European semi-socialist welfare states that we love to deride."– Bill Saporito, "How We Became the United States of France," Time (September 21, 2008) 

On October 15, the Presidential candidates had their last debate before the election. They talked of the baleful state of the economy and the stock market; but omitted from the discussion was what actually caused the credit freeze, and whether the banks should be nationalized as Treasury Secretary Hank Paulson is now proceeding to do. The omission was probably excusable, since the financial landscape has been changing so fast that it is hard to keep up. A year ago, the Dow Jones Industrial Average broke through 14,000 to make a new all-time high. Anyone predicting then that a year later the Dow would drop nearly by half and the Treasury would move to nationalize the banks would have been regarded with amused disbelief. But that is where we are today.1

Congress hastily voted to approve Treasury Secretary Hank Paulson’s $700 billion bank bailout plan on October 3, 2008, after a tumultuous week in which the Dow fell dangerously near the critical 10,000 level. The market, however, was not assuaged. The Dow proceeded to break through not only 10,000 but then 9,000 and 8,000, closing at 8,451 on Friday, October 10. The week was called the worst in U.S. stock market history.

On Monday, October 13, the market staged a comeback the likes of which had not been seen since 1933, rising a full 11% in one day. This happened after the government announced a plan to buy equity interests in key banks, partially nationalizing them; and the Federal Reserve led a push to flood the global financial system with dollars.

The reversal was dramatic but short-lived. On October 15, the day of the Presidential debate, the Dow dropped 733 points, crash landing at 8,578. The reversal is looking more like a massive pump and dump scheme – artificially inflating the market so insiders can get out – than a true economic rescue. The real problem is not in the much-discussed subprime market but is in the credit market, which has dried up. The banking scheme itself has failed. As was learned by painful experience during the Great Depression, the economy cannot be rescued by simply propping up failed banks. The banking system itself needs to be overhauled.

A Litany of Failed Rescue Plans

Credit has dried up because many banks cannot meet the 8% capital requirement that limits their ability to lend. A bank’s capital – the money it gets from the sale of stock or from profits – can be fanned into more than 10 times its value in loans; but this leverage also works the other way. While $80 in capital can produce $1,000 in loans, an $80 loss from default wipes out $80 in capital, reducing the sum that can be lent by $1,000. Since the banks have been experiencing widespread loan defaults, their capital base has shrunk proportionately.

The bank bailout plan announced on October 3 involved using taxpayer money to buy up mortgage-related securities from troubled banks. This was supposed to reduce the need for new capital by reducing the amount of risky assets on the banks’ books. But the banks’ risky assets include derivatives – speculative bets on market changes – and derivative exposure for U.S. banks is now estimated at a breathtaking $180 trillion.2 The sum represents an impossible-to-fill black hole that is three times the gross domestic product of all the countries in the world combined. As one critic said of Paulson’s roundabout bailout plan, "this seems designed to help Hank’s friends offload trash, more than to clear a market blockage."3

By Thursday, October 9, Paulson himself evidently had doubts about his ability to sell the plan. He wasn’t abandoning his old cronies, but he soft-pedaled that plan in favor of another option buried in the voluminous rescue package – using a portion of the $700 billion to buy stock in the banks directly. Plan B represented a controversial move toward nationalization, but it was an improvement over Plan A, which would have reduced capital requirements only by the value of the bad debts shifted onto the government’s books. In Plan B, the money would be spent on bank stock, increasing the banks’ capital base, which could then be leveraged into ten times that sum in loans. The plan was an improvement but the market was evidently not convinced, since the Dow proceeded to drop another thousand points from Thursday’s opening to Friday’s close.

One problem with Plan B was that it did not really mean nationalization (public ownership and control of the participating banks). Rather, it came closer to what has been called "crony capitalism" or "corporate welfare." The bank stock being bought would be non-voting preferred stock, meaning the government would have no say in how the bank was run. The Treasury would just be feeding the bank money to do with as it would. Management could continue to collect enormous salaries while investing in wildly speculative ventures with the taxpayers’ money. The banks could not be forced to use the money to make much-needed loans but could just use it to clean up their derivative-infested balance sheets. In the end, the banks were still liable to go bankrupt, wiping out the taxpayers’ investment altogether. Even if $700 billion were fanned into $7 trillion, the sum would not come close to removing the $180 trillion in derivative liabilities from the banks’ books. Shifting those liabilities onto the public purse would just empty the purse without filling the derivative black hole.

Plan C, the plan du jour, does impose some limits on management compensation. But the more significant feature of this week’s plan is the Fed’s new "Commercial Paper Funding Facility," which is slated to be operational on October 27, 2008. The facility would open the Fed’s lending window for short-term commercial paper, the money corporations need to fund their day-to-day business operations. On October 14, the Federal Reserve Bank of New York justified this extraordinary expansion of its lending powers by stating:

"The CPFF is authorized under Section 13(3) of the Federal Reserve Act, which permits the Board, in unusual and exigent circumstances, to authorize Reserve Banks to extend credit to individuals, partnerships, and corporations that are unable to obtain adequate credit accommodations. . . .

"The U.S. Treasury believes this facility is necessary to prevent substantial disruptions to the financial markets and the economy and will make a special deposit at the New York Fed in support of this facility."4

That means the government and the Fed are now committing even more public money and taking on even more public risk. The taxpayers are already tapped out, so the Treasury’s "special deposit" will no doubt come from U.S. bonds, meaning more debt on which the taxpayers have to pay interest. The federal debt could wind up running so high that the government loses its own triple-A rating. The U.S. could be reduced to Third World status, with "austerity measures" being imposed as a condition for further loans, and hyperinflation running the dollar into oblivion. Rather than solving the problem, these "rescue" plans seem destined to make it worse.

The Collapse of a 300 Year Ponzi Scheme

All the king’s men cannot put the private banking system together again, for the simple reason that it is a Ponzi scheme that has reached its mathematical limits. A Ponzi scheme is a form of pyramid scheme in which new investors must continually be sucked in at the bottom to support the investors at the top. In this case, new borrowers must continually be sucked in to support the creditors at the top. The Wall Street Ponzi scheme is built on "fractional reserve" lending, which allows banks to create "credit" (or "debt") with accounting entries. Banks are now allowed to lend from 10 to 30 times their "reserves," essentially counterfeiting the money they lend. Over 97 percent of the U.S. money supply (M3) has been created by banks in this way.5 The problem is that banks create only the principal and not the interest necessary to pay back their loans. Since bank lending is essentially the only source of new money in the system, someone somewhere must continually be taking out new loans just to create enough "money" (or "credit") to service the old loans composing the money supply. This spiraling interest problem and the need to find new debtors has gone on for over 300 years -- ever since the founding of the Bank of England in 1694 – until the whole world has now become mired in debt to the bankers’ private money monopoly. As British financial analyst Chris Cook observes:

"Exponential economic growth required by the mathematics of compound interest on a money supply based on money as debt must always run up eventually against the finite nature of Earth’s resources."6

The parasite has finally run out of its food source. But the crisis is not in the economy itself, which is fundamentally sound – or would be with a proper credit system to oil the wheels of production. The crisis is in the banking system, which can no longer cover up the shell game it has played for three centuries with other people’s money. Fortunately, we don’t need the credit of private banks. A sovereign government can create its own.

The New Deal Revisited

Today’s credit crisis is very similar to that facing Franklin Roosevelt in the 1930s. In 1932, President Hoover set up the Reconstruction Finance Corporation (RFC) as a federally-owned bank that would bail out commercial banks by extending loans to them, much as the privately-owned Federal Reserve is doing today. But like today, Hoover’s plan failed. The banks did not need more loans; they were already drowning in debt. They needed customers with money to spend and to invest. President Roosevelt used Hoover’s new government-owned lending facility to extend loans where they were needed most – for housing, agriculture and industry. Many new federal agencies were set up and funded by the RFC, including the HOLC (Home Owners Loan Corporation) and Fannie Mae (the Federal National Mortgage Association, which was then a government-owned agency). In the 1940s, the RFC went into overdrive funding the infrastructure necessary for the U.S. to participate in World War II, setting the country up with the infrastructure it needed to become the world’s industrial leader after the war.

The RFC was a government-owned bank that sidestepped the privately-owned Federal Reserve; but unlike the private banks with which it was competing, the RFC had to have the money in hand before lending it. The RFC was funded by issuing government bonds (I.O.U.s or debt) and relending the proceeds. The result was to put the taxpayers further into debt. This problem could be avoided, however, by updating the RFC model. A system of public banks might be set up that had the power to create credit themselves, just as private banks do now. A public bank operating on the private bank model could fan $700 billion in capital reserves into $7 trillion in public credit that was derivative-free, liability-free, and readily available to fund all those things we think we don’t have the money for now, including the loans necessary to meet payrolls, fund mortgages, and underwrite public infrastructure.

Credit as a Public Utility

"Credit" can and should be a national utility, a public service provided by the government to the people it serves. Many people are opposed to getting the government involved in the banking system, but the fact is that the government is already involved. A modern-day RFC would actually mean less government involvement and a more efficient use of the already-earmarked $700 billion than policymakers are talking about now. The government would not need to interfere with the private banking system, which could carry on as before. The Treasury would not need to bail out the banks, which could be left to those same free market forces that have served them so well up to now. If banks went bankrupt, they could be put into FDIC receivership and nationalized. The government would then own a string of banks, which could be used to service the depository and credit needs of the community. There would be no need to change the personnel or procedures of these newly-nationalized banks. They could engage in "fractional reserve" lending just as they do now. The only difference would be that the interest on loans would return to the government, helping to defray the tax burden on the populace; and the banks would start out with a clean set of books, so their $700 billion in startup capital could be fanned into $7 trillion in new loans. This was the sort of banking scheme used in Benjamin Franklin’s colony of Pennsylvania, where it worked brilliantly well. The spiraling-interest problem was avoided by printing some extra money and spending it into the economy for public purposes. During the decades the provincial bank operated, the Pennsylvania colonists paid no taxes, there was no government debt, and inflation did not result.7

Like the Pennsylvania bank, a modern-day federal banking system would not actually need "reserves" at all. It is the sovereign right of a government to issue the currency of the realm. What backs our money today is simply "the full faith and credit of the United States," something the United States should be able to issue directly without having to draw on "reserves" of its own credit. But if Congress is not prepared to go that far, a more efficient use of the earmarked $700 billion than bailing out failing banks would be to designate the funds as the "reserves" for a newly-reconstituted RFC.

Rather than creating a separate public banking corporation called the RFC, the nation’s financial apparatus could be streamlined by simply nationalizing the privately-owned Federal Reserve; but again, Congress may not be prepared to go that far. Since there is already successful precedent for establishing an RFC in times like these, that model could serve as a non-controversial starting point for a new public credit facility. The G-7 nations’ financial planners, who met in Washington D.C. this past weekend, appear intent on supporting the banking system with enough government-debt-backed "liquidity" to produce what Jim Rogers calls "an inflationary holocaust." As the U.S. private banking system self-destructs, we need to ensure that a public credit system is in place and ready to serve the people’s needs in its stead. 

Ellen Brown, J.D., developed her research skills as an attorney practicing civil litigation in Los Angeles. In Web of Debt, her latest book, she turns those skills to an analysis of the Federal Reserve and "the money trust." She shows how this private cartel has usurped the power to create money from the people themselves, and how we the people can get it back. Her eleven books include the bestselling Nature’s Pharmacy, co-authored with Dr. Lynne Walker, and Forbidden Medicine. Her websites are www.webofdebt.com and www.ellenbrown.com.

socialisme ou barbarie

  Pemière partie

Henry Ford aurait dit que « l’histoire est un tas d’absurdités » - autrement dit un non-sens. C’est une façon peu élégante de formuler une idée qui a gagné du terrain au cours de ces dernières années. L’illustre fondateur de l’entreprise automobile a par la suite affiné sa définition : « l’histoire n’est qu’une foutue chose après l’autre », corrigeait-il. C’est un point de vue.

La même idée, tout aussi fausse, est exprimée de manière plus subtile par les amateurs d’une certaine philosophie post-moderne à laquelle beaucoup de gens prêtent attention. En réalité, il ne s’agit pas d’une idée récente. Le grand historien Edward Gibbon, auteur du Déclin et chute de l’Empire romain, écrivait que l’histoire n’est rien de plus que « le registre des crimes, des folies et des infortunes de l’homme. »

On nous présente ici l’histoire comme essentiellement dépourvue de sens, comme une série inexplicable d’événements accidentels. Elle ne serait gouvernée par aucune loi qu’on puisse découvrir. Par conséquent, il serait vain d’essayer d’y comprendre quelque chose. D’après une variante de cette idée en vogue dans les cercles académiques, il n’y aurait rien qui ressemble à un niveau supérieur de développement social et culturel. Le « progrès », explique-t-on, n’est qu’une vieille mode que nous héritons du XIXème siècle, lorsque cette notion était popularisée par les libéraux Victoriens, les socialistes Fabiens - et Karl Marx.

L’idée que l’histoire ne connaît aucun progrès est caractéristique de la psychologie de la classe dominante à l’époque du déclin du système capitaliste. C’est un reflet évident du fait que, sous le capitalisme, le progrès a effectivement atteint ses limites. Naturellement, les capitalistes et leurs intellectuels refusent de le reconnaître : ils en sont d’ailleurs organiquement incapables. Lénine remarquait qu’un homme au bord du précipice ne raisonne pas. Ceci dit, ils sont quand même obscurément conscients de la situation, et s’efforcent de trouver une justification à l’impasse de leur système en niant la possibilité du progrès en général.

Cette idée a si profondément pénétré dans la conscience qu’elle a même pris la forme d’une théorie tendant à nier l’évolution humaine. Même un penseur aussi brillant que Stephen Jay Gould - dont la théorie dialectique des équilibres ponctuels a transformé la façon dont on perçoit l’évolution - explique qu’on ne peut pas parler de progrès dans l’évolution, de sorte que les microbes sont à mettre sur le même plan que les êtres humains. En un sens, il est vrai que tous les êtres vivants sont liés (comme l’atteste la génétique). L’homme n’est pas la création spécifique du Tout-Puissant, mais le produit de l’évolution. Et il serait effectivement incorrect de considérer l’évolution comme une sorte de grand plan préconçu dont nous serions le résultat (vision téléologique, du grec telos : orienté vers une fin). Cependant, lorsqu’on rejette une idée fausse, il n’est pas nécessaire de sombrer dans l’erreur inverse.

Il ne s’agit pas d’accréditer l’idée que l’histoire obéit à un plan préconçu, qu’il s’agisse d’un plan divin ou de toute autre forme de téléologie. Mais il n’en reste pas moins vrai que les lois inhérentes à la nature déterminent l’évolution de formes simples vers des formes complexes de vie. Les premières formes de vie contiennent en elles l’embryon de tous les développements futurs. Il est possible d’expliquer la formation des yeux, des jambes et des autres organes sans recourir à un plan préconçu. A un certain stade, on a le développement d’un système nerveux central et du cerveau. Finalement, avec l’homo sapiens, on arrive à la conscience humaine. La matière devient consciente d’elle-même. Il n’y a pas eu de révolution aussi importante depuis le développement de la matière organique (la vie) à partir de la matière inorganique.

Pour être tout à fait juste, il faudrait ajouter : de notre point de vue. Si les microbes étaient capables d’avoir un point de vue, il est probable qu’ils nous opposeraient de sérieuses objections. Mais nous sommes des êtres humains et nous voyons nécessairement les choses de notre point de vue d’hommes. Et nous affirmons en effet que l’évolution réalise un développement de formes de vie simples à des formes plus complexes - autrement dit un progrès vers des formes supérieures de vie. Récuser une telle affirmation reviendrait à abandonner une approche scientifique au profit d’une approche purement scolastique. En disant cela, on ne veut surtout pas offenser les microbes qui, après tout, sont là depuis longtemps et, si le capitalisme n’est pas renversé, pourraient bien avoir le dernier mot.

Culture et impérialisme

Si, pour ne pas offenser les microbes et les autres espèces, on ne peut faire référence à des niveaux plus ou moins élevés de formes de vie, alors on peut encore moins affirmer que la barbarie représente un niveau de développement culturel et social inférieur à l’esclavagisme - sans même parler du capitalisme. Or, dire que les Barbares ont leur propre culture ne nous mène pas loin. Depuis que les premiers hommes ont produit des outils de pierre, on peut dire que toutes les périodes historiques ont vu le développement d’une culture propre. Il est vrai que ces cultures n’ont pas été suffisamment appréciées. La classe capitaliste a toujours eu tendance à exagérer la richesse de certaines cultures au détriment d’autres. Derrière ce genre de favoritisme se cache les intérêts de ceux qui cherchent à opprimer, exploiter, et tentent de couvrir cette oppression et cette exploitation sous le voile hypocrite de la supériorité culturelle.

C’est sous cette bannière que les chrétiens du nord de l’Espagne ont détruit le système d’irrigation et les autres éléments de la merveilleuse culture islamique andalouse, et ont ensuite détruit les cultures florissantes des Aztèques et des Incas. C’est aussi sous cette bannière que les colonialistes français, britanniques et allemands ont systématiquement asservi les populations d’Afrique, d’Asie et du Pacifique. Non contents de réduire ces populations à l’état de bêtes de somme, ils leur ont pris leur âme en même temps que leurs terres. En leur volant leur identité culturelle, les missionnaires chrétiens ont fini le travail commencé par les soldats et les négriers.

Tout cela est parfaitement vrai, et il est nécessaire de traiter la culture de tous les peuples avec le respect et la considération qu’elle mérite. Chaque période historique, chaque peuple a ajouté quelque chose au trésor de la culture humaine qui est notre héritage collectif. Mais cela signifie-t-il que toutes les cultures se valent ? Peut-on affirmer qu’entre les premières statues en pierre des temps préhistoriques (dont certaines indiquent un remarquable sens esthétique) et les statues de Michel Ange, aucun progrès esthétique n’est discernable ? En un mot, peut-on parler de progrès dans l’histoire de l’homme ?

En logique, il existe une méthode bien connue consistant à rendre un argument complètement absurde en le poussant à l’extrême. On remarque ce genre de procédé dans certains courants modernes d’anthropologie, de sociologie et d’histoire. C’est un fait avéré que, sous le capitalisme, la science devient d’autant moins scientifique qu’elle s’approche de la société. Les soi-disant sciences sociales n’ont souvent rien à voir avec la science, et tout à voir avec des tentatives à peine déguisées de justifier le capitalisme, ou tout au moins de discréditer le marxisme (ce qui revient au même). C’était certainement vrai par le passé, lorsque des soi-disant anthropologues faisaient de leur mieux pour justifier l’asservissement de « races arriérés » en dénigrant leur culture. Mais aujourd’hui que certaines écoles de pensée tentent de tordre le bâton dans l’autre sens, les choses ne vont pas mieux.

Il est clair que les impérialistes ont délibérément sous-estimé et même nié les cultures des « peuples arriérés » d’Afrique, d’Asie, etc... Le poète anglais pro-impérialiste Kipling (auteur du Livre de la Jungle) les a qualifiées de « races inférieures et sans loi ». Cet impérialisme culturel était à n’en pas douter une tentative de justifier l’asservissement de millions d’individus. Il est tout aussi clair que les actions les plus barbares et inhumaines du passé ne sont rien devant les horreurs qu’infligent au genre humain le très « civilisé » système capitaliste et son prolongement : l’impérialisme.

On est face à un terrible paradoxe : plus l’humanité développe de forces productives, plus il y a d’avancées technologiques et scientifiques - et plus la majorité de la population mondiale subit l’oppression, la famine, les souffrances et la misère. Ce fait a même été reconnu par des défenseurs du système capitaliste. Mais ils ne font rien pour y remédier. Et ils ne le peuvent pas, puisqu’ils refusent de reconnaître que l’impasse à laquelle se heurte la société humaine est liée de part en part au système qu’ils défendent. Les capitalistes ne sont d’ailleurs pas les seuls à refuser de tirer les bonnes conclusions : c’est aussi vrai de bien des gens qui se considèrent comme « radicalement » de gauche. Il y a par exemple des gens bien intentionnés qui soutiennent que le développement de la science, de la technologie et de l’industrie est la source de tous nos problèmes, et qu’il serait bon de revenir à des modes d’existence pré-capitalistes !

Les Victoriens avaient une conception de l’histoire très unilatérale : il s’agissait d’une marche triomphale et irrésistible vers les lumières et le progrès - le tout, bien entendu, sous la direction du capitalisme anglais. Cette façon de voir les choses servait, là aussi, à justifier l’impérialisme et le colonialisme. Les anglais « civilisés » sont allés en Inde et en Afrique, armés de la Bible (et d’un certain nombre de vaisseaux de guerre, de canons et de puissants fusils) pour initier les autochtones ignorants aux joies de la culture occidentale. Quant à ceux qui ne manifestaient pas suffisamment d’enthousiasme pour les raffinements de la culture britannique (mais aussi belge, française, hollandaise et allemande), ils étaient rapidement « éduqués » par la pointe des baïonnettes.

Aujourd’hui, les capitalistes sont dans un tout autre état d’esprit. Face à l’évidence d’une crise générale de leur système, ils connaissent les affres de l’incertitude et du pessimisme. Les vieilles chansons sur l’inéluctabilité du progrès humain ne semblent plus adaptées à la cruelle réalité de notre époque. Le simple mot de « progrès » suscite bien des sourires cyniques. Cela n’a rien d’accidentel. Les gens commencent à comprendre qu’aujourd’hui, dans la première décennie du XXIème siècle, le progrès a effectivement marqué un arrêt complet. Mais cela ne fait simplement que refléter l’impasse du capitalisme, qui a depuis longtemps épuisé son potentiel progressiste et s’est transformé en un monstrueux obstacle sur la voie de l’histoire humaine. Dans cette mesure - et dans cette mesure seulement -, on peut nier l’idée de progrès.

Ce n’est pas la première fois que l’on fait face à de tels phénomènes. Durant le long déclin qui a précédé la chute de l’Empire romain, nombreux étaient ceux qui pensaient que la fin du monde approchait. Cette idée était particulièrement vive à l’aube de l’ère chrétienne : c’est elle qui anime tout le Livre des Révélations (l’Apocalypse). Les gens étaient réellement convaincus que le monde touchait à sa fin. En réalité, ce qui touchait à sa fin, c’était un système socio-économique donné - à savoir le système esclavagiste, qui avait atteint ses limites et n’était plus capable de développer les forces productives comme il l’avait fait par le passé.

Un phénomène similaire peut être observé à la fin du Moyen Age : l’idée de la fin du monde y était très en vogue. Les gens suivaient en masse les sectes de flagellants qui traversaient l’Europe et se torturaient eux-mêmes pour expier les péchés du genre humain avant le Jugement Dernier. Ici aussi, ce qui touchait à sa fin n’était pas le monde mais le système féodal, lequel avait épuisé toutes ses potentialités historiques et a été finalement renversé par la classe montante des capitalistes.

Le fait qu’un système socio-économique cesse d’être progressiste et devienne une force réactionnaire faisant obstacle au développement du genre humain ne permet pas de conclure que la notion de « progrès » est vide de sens. Il est faux de dire qu’il n’y a jamais eu de progrès (y compris sous le capitalisme), ni qu’il n’y aura pas de progrès à l’avenir - c’est-à-dire lorsque le capitalisme sera aboli. Ainsi, une idée à première vue raisonnable se révèle être en fait une défense déguisée du capitalisme contre le socialisme. Lui faire la moindre concession reviendrait à passer d’une position révolutionnaire à une position réactionnaire.

Le matérialisme historique

La société est en perpétuelle évolution. La science de l’histoire tente de cataloguer ces changements et de les comprendre. Mais quelles sont les lois qui gouvernent les évolutions historiques ? De telles lois existent-elles seulement ? Si non, alors l’histoire humaine serait complètement incompréhensible, comme le pensaient Gibbon et Henry Ford. Cependant, les marxistes n’appréhendent pas l’histoire de cette façon. De même que les lois gouvernant l’évolution de la vie peuvent être expliquées, et l’on effectivement été - par Darwin, puis plus récemment par les progrès rapides de la génétique -, de même l’évolution des sociétés humaines ont leurs lois propres, qui ont été expliquées, pour la première fois, par Marx et Engels.

Ceux qui nient l’existence de lois gouvernant le développement des sociétés humaines ne manquent jamais d’approcher l’histoire d’un point de vue moral et subjectif. Comme Gibbon, mais sans son extraordinaire talent, ils hochent la tête face au spectacle sans fin de la violence, de « l’inhumanité de l’homme envers l’homme », et ainsi de suite. Cela ressemble plus à un discours de curé qu’à une conception scientifique de l’histoire. Or, nous avons besoin d’une approche rationnelle, et non d’un sermon. Dans l’ensemble des faits isolés, nous devons discerner des tendances de fond, les transitions d’un système social à un autre, et les forces motrices fondamentales qui déterminent ces transitions.

En appliquant à l’histoire les méthodes du matérialisme dialectique, il apparaît que l’histoire humaine a ses lois propres et que, par conséquent, il est possible de la comprendre comme un processus. L’essor et la chute de différents systèmes socio-économiques peuvent être expliqués en termes de capacité ou d’incapacité de développer les moyens de production - et par conséquent d’élargir l’horizon de la culture humaine et sa domination sur la nature.

Le marxisme maintient que les millions d’années de développement de l’humanité représentent un progrès. Mais il ajoute que cela ne s’est jamais fait en ligne droite, contrairement à ce que pensaient les Victoriens, qui avaient une conception de l’histoire vulgaire et non-dialectique. La prémisse fondamentale du matérialisme historique réside dans l’idée que le développement des forces productives est, en dernière instance, la force motrice de l’histoire. Cette conclusion est d’une grande importance puisqu’elle nous permet, à elle seule, d’élaborer une conception scientifique de l’histoire.

Avant Marx et Engels, la plupart des gens considéraient l’histoire comme une série d’événements sans rapport - ou, pour utiliser un terme philosophique, comme une série d’accidents. Aucune explication générale du processus historique n’était proposée : l’histoire n’obéissait à aucune loi inhérente. Dès que l’on adopte ce point de vue, la seule force motrice de l’histoire qui reste, c’est l’action des individus - autrement dit des « grands hommes ». En d’autres termes, on est face à une conception idéaliste et subjectiviste du processus historique. C’était le point de vue des socialistes utopistes qui, malgré la très grande pertinence de leurs critiques à l’égard de l’ordre social existant, ne sont pas parvenus à comprendre les lois fondamentales de l’évolution historique. Pour eux, le socialisme n’était qu’une « bonne idée », autrement dit quelque chose qui aurait pu être pensé il y des milliers d’années comme demain matin. Et dès lors, si le genre humain y avait songé il y a mille ans, on aurait évité pas mal de problèmes !

C’est Marx et Engels qui, les premiers, ont expliqué qu’en dernière instance toute l’évolution du genre humain dépend du développement de ses forces productives. Ils ont ainsi placé l’étude de l’histoire sur des bases scientifiques : car la première condition d’une science, c’est la possibilité de dépasser les cas particuliers pour dégager des lois générales.

Les premiers chrétiens étaient des communistes, bien que leur communisme était d’un genre utopique, basé sur la consommation et non sur la production. Mais ces premières formes de communisme n’ont menées nulle part, et ne pouvaient mener nulle part, dans la mesure où le niveau de développement des forces productives, à ce moment, ne permettait pas l’émergence d’un véritable communisme.

Ces derniers temps, les cercles intellectuels « de gauche » caressent à leur tour l’idée qu’il n’y a pas de progrès historique. Ces tendances représentent, dans une certaine mesure, une réaction saine au genre d’impérialisme culturel et d’« eurocentrisme » dont il a été question plus haut. Ces intellectuels européens nous expliquent que toutes les cultures se valent. De cette façon, ils ont le sentiment de compenser un peu les pillages et les massacres systématiques perpétrés par nos ancêtres sur les peuples ex-coloniaux - lesquels pillages et massacres continuent aujourd’hui sous différents déguisements.

L’intention de ces gens est sans doute louable, mais leurs théories n’en sont pas moins complètement fausses. Tout d’abord, remarquons que les centaines de millions d’individus opprimés d’Afrique, d’Asie et d’Amérique Latine ne tireront pas grand avantage de savoir que des intellectuels européens ont redécouvert leurs anciennes cultures et les tiennent en haute estime. Les gestes symboliques et le radicalisme terminologique ne peuvent remplacer la véritable lutte contre l’impérialisme et le capitalisme. Et pour que cette lutte soit victorieuse, il faut la placer sur des bases solides. La première condition du succès réside donc dans une lutte acharnée pour défendre les idées du marxisme. Il est nécessaire d’établir la vérité et de se battre contre toutes les formes de préjugés racistes et impérialistes. Mais en combattant une idée fausse, il faut faire attention de ne pas aller trop loin, dans la mesure où, poussée à l’extrême, une idée correcte devient toujours incorrecte.

L’histoire de l’humanité n’est pas une ligne ininterrompue vers le progrès. Elle comporte des lignes ascendantes et des lignes descendantes. Il y a eu des époques durant lesquelles, pour différentes raisons, la société a reculé, le progrès s’est interrompu, et la civilisation et la culture ont été mises à mal. C’était le cas en Europe après la chute de l’Empire romain, durant la période que les Anglais appellent l’« âge des ténèbres » (Dark Ages). Récemment, certains courants intellectuels ont réécrit l’histoire de façon à présenter les Barbares sous une lumière plus favorable. Ce n’est pas « plus scientifique » ou « plus objectif », mais simplement enfantin.

Comment ne pas poser le problème

Récemment, une chaîne de télé anglaise a diffusé une émission en trois parties sous le tire Les Barbares. Elle était présentée par Richard Rudgley, anthropologue auteur des Civilisations perdues de l’âge de pierre. Après avoir vu la deuxième partie, consacrée aux Angles et aux Saxons, les tribus germaniques qui ont envahi les îles britanniques, je pense avoir compris quelle était la thèse centrale de Richard Rudgley. Son idée est que les envahisseurs ont laissé derrière eux une société plus civilisée que celle qu’ils ont conquis. Et il explique : « L’esclavage caractéristique de l’Empire romain a été remplacé par une société plus juste dans laquelle le travail et l’artisanat étaient encouragés et valorisés. »

Les gens s’imaginent généralement l’Angleterre romaine comme une société hautement civilisée que les tribus d’envahisseurs barbares ont brutalisée. Et bien non, nous explique Rudgley : « Dans mon voyage pour comprendre cette époque, j’ai découvert que bien des choses qui me sont chères ont leurs racines, non dans la civilisation romaine, mais dans le monde que les Barbares ont édifié sur les ruines de l’Empire romain ».

Rudgley a fait une découverte stupéfiante : les Saxons savaient construire des bateaux - et des rapides, par-dessus le marché ! Il ajoute que les Barbares ont amené avec eux un savoir-faire artisanal impressionnant. Il explique : « Leurs aptitudes étaient immenses. Regardez, par exemple, leurs joailleries, ou encore leur travail sur le métal et le bois ». Mais les Romains savaient construire des bateaux - et aussi des routes, des aqueducs, des villes et bien d’autres choses de cet ordre. Or Rudgley semble ne pas avoir relevé un petit détail : toutes ces merveilles de la civilisation romaine ont été détruites ou négligées par les Barbares, ce qui a mené à un ralentissement catastrophique du commerce et à une chute brutale du développement des forces productives et de la culture.

Il cite avec enthousiasme les mots du célèbre fabricant d’épée, Hector Cole : « Les fabricants d’épée saxons étaient des spécialistes. Ils fabriquaient des lames structurées 600 ans avant les Japonais ».C’est indubitable. Toutes les tribus barbares de cette époque étaient expertes en matière militaire et l’ont prouvé en transperçant la défense romaine comme une lame chaude traverse le beurre. Les Romains de la fin de l’Empire ont même commencé à imiter certaines des méthodes militaires barbares. Ils ont notamment adopté l’arc court, que les Huns avaient perfectionné. Mais rien de tout cela ne prouve que les Barbares se situaient à un niveau de développement culturel comparable à celui des Romains, et encore moins à un niveau supérieur.

Rudgley explique encore que le débarquement en Angleterre des Angles et des Saxons n’était pas une invasion massive dirigée par des chefs militaires ; au contraire il se serait simplement agi de petits groupes pacifiques venus chercher de nouvelles terres. Ici, notre anthropologue télévisuel confond différentes choses. Sans doute les Barbares recherchaient-ils de nouveaux territoires sur lesquels s’installer. Il existe certainement différentes causes qui expliquent les migrations massives du Vème siècle. Certains avancent l’idée qu’un changement climatique aurait fait monter le niveau de la mer jusqu’en Hollande et au nord de l’Allemagne, ce qui aurait rendu ces régions inhabitables. Une explication plus classique souligne que les migrants étaient sous la pression de tribus venues de l’Est. La vérité est sans doute dans une combinaison de ces facteurs et d’autres encore. En général, les causes de ce genre de migrations massives peuvent relever de l’accident historique. Mais ce qui est important, c’est le résultat historique. Et c’est cela qui est en question.

Les premiers contacts entre Romains et Barbares n’avaient pas nécessairement un caractère violent. Un commerce considérable s’est développé, des siècles durant, le long de la frontière orientale de l’Empire, ce qui a mené à une progressive romanisation des tribus vivant à proximité. Nombre d’entre elles sont devenues des mercenaires au service de la légion romaine, qu’elles intégraient parfois complètement. Alaric, le premier chef gothique a être entré dans Rome, n’était pas seulement un ancien soldat de Rome : il était chrétien (bien que du genre arien). Il est aussi certain que les premiers Saxons à entrer en Grande-Bretagne étaient des commerçants, des mercenaires et des colons pacifiques. C’est ce qu’indique clairement la tradition suivant laquelle ils étaient invités en Grande-Bretagne par son « roi » romanisé Vortigern, après le départ des légions romaines.

Mais c’est à ce stade que l’analyse de Rudgley commence à se briser. Il passe complètement à côté du fait que les relations commerciales entre nations civilisées et Barbares sont invariablement complétées par la piraterie, l’espionnage et la guerre. Les commerçants barbares prêtaient une grande attention aux forces et faiblesses des nations avec lesquelles ils étaient en contact. Au premier signe de faiblesse, les « pacifiques » relations commerciales étaient remplacées par l’action de bandes armées spécialisées dans le pillage et la conquête. Il suffit de lire l’Ancien Testament pour voir que c’était précisément ce type de relations qui existait entre les tribus semi-nomades israélites et les Canaanites de l’époque, lesquels, en tant que peuple urbain civilisé, se situaient à un niveau de développement supérieur.

L’idée que le niveau de développement culturel des Romains était supérieur à celui des Barbares peut-être démontrée par le fait suivant : alors que les Barbares sont parvenus à conquérir l’Empire romain, ils ont en fait été rapidement absorbés par la civilisation romaine, et ont même abandonné leur langage au profit de dialectes du Latins. Ainsi, les Francs, qui ont donné leur nom à la France, étaient une tribu germanique qui parlait une langue en rapport avec l’allemand moderne. La même chose est arrivée aux tribus germaniques qui ont envahi l’Espagne et l’Italie.

Il semble y avoir une exception remarquable à cette règle : les Angles et les Saxons qui ont envahi la Grande Bretagne n’ont pas été absorbés par le peuple plus avancé des Celtes romano-britanniques. En effet, l’anglais est une langue fondamentalement germanique (bien que des éléments de français s’y soient rajoutés plus tard, au XIèmesiècle). Dans la langue anglaise, le nombre de mots d’origines celtiques est insignifiant, alors que l’espagnol compte par exemple un grand nombre de mots d’origine arabe (les Arabes étaient à un niveau de développement culturel supérieur aux chrétiens hispanophones qui les ont conquis). La seule explication à l’« exception » britannique réside dans le fait que les Barbares anglo-saxons (dont Mr Rudley aime vanter le pacifisme) ont mené une politique de génocide contre les Celtes, dont ils ont pris les terres à la suite d’une sanglante guerre de conquête.

Sentimentalisme ou science ?

On peut donc fermement établir la loi suivante : un peuple d’envahisseur dont la culture se situe à un niveau inférieur à celle du peuple conquis sera finalement absorbé par la culture de ce dernier, et non l’inverse. On pourrait objecter que cela s’est passé ainsi parce que le nombre des envahisseurs était relativement faible. Mais cela ne tient pas à l’analyse. Premièrement, comme Mr Rudgley le dit lui-même, les migrations étaient massives, impliquant des peuples entiers. Deuxièmement, de nombreux autres exemples historiques prouvent que cette objection ne tient pas la route.

Les Mongols qui ont envahi l’Inde et y ont instauré la dynastie mongole - laquelle a duré jusqu’à la conquête anglaise de l’Inde - ont été complètement absorbés par le mode de vie très avancé des Indiens. C’est exactement la même chose qui s’est passée en Chine. Cependant, lorsque les britanniques ont conquis l’Inde, ils n’ont pas été absorbés par la culture indienne. Au contraire, comme l’expliquait Marx, ils ont complètement bouleversé la société indienne, vieille de plusieurs millénaires. Comment était-ce possible ? Seulement parce que la Grande Bretagne, où le système capitaliste se développait rapidement, se situait à un niveau de développement supérieur à celui de l’Inde.

Bien sûr, on peut dire qu’avant l’arrivée des britanniques, les Indiens avaient une très grande culture. Les conquérants européens considéraient les Indiens comme des demi-barbares, mais rien ne pouvait être plus loin de la vérité. Sur la base du très ancien mode de production asiatique, la culture indienne avait atteint des niveaux prodigieux. Ce qu’ils ont réalisé dans les domaines de l’architecture, de la sculpture, de la musique et de la poésie était si brillantque cela a même suscité l’admiration des représentants les plus cultivés de l’Empire britannique.

On peut tout aussi bien regretter le fait que les Britanniques aient si brutalement traité les Indiens, c’est-à-dire au moyen d’une combinaison de mensonges et de massacres. Tout cela est vrai, mais la question importante demeure : pourquoi les britanniques n’ont-ils pas, à l’instar des Mongols, été absorbés par la culture indienne ? Dans ce cas, le nombre de britanniques qui se sont installés en Inde était insignifiant comparé aux millions d’individus peuplant ce vaste continent. Et pourtant, deux siècles plus tard, ce sont les Indiens qui apprenaient l’anglais, et non l’inverse.

Aujourd’hui, un demi-siècle après le départ des britanniques, l’anglais est toujours la langue officielle de l’Inde et reste la langua franca des Indiens et Pakistanais les plus éduqués. Pourquoi ? Simplement parce que le capitalisme représente un niveau de développement supérieur au féodalisme ou au mode asiatique de production. Voila le fond de la question. S’en plaindre et protester contre l’« impérialisme culturel » peut avoir une certaine valeur dans le domaine de l’agitation, et la conduite barbare de l’impérialisme ne fait aucun doute. Mais d’un point de vue scientifique, cela ne nous mène pas bien loin.

Aborder l’histoire d’un point de vue sentimental est pire qu’inutile. L’histoire ne se déroule pas suivant les principes d’une quelconque morale. La première chose à faire, lorsqu’on veut comprendre l’histoire, c’est de mettre de côté tout ce qui relève de la morale : il n’y a pas de morale « supra-historique » - ou de « morale universelle » - mais seulement des morales particulières qui correspondent à des périodes historiques et à des formations socio-économiques particulières, en dehors desquelles elles n’ont plus aucune pertinence.

Par conséquent, d’un point de vue scientifique, il est vain de comparer les valeurs morales, par exemple, des Romains et des Barbares, des Anglais et des Indiens, ou encore des Mongols et des Chinois. Des pratiques barbares et inhumaines ont existé à toutes les époques de l’histoire. Donc, si on prend ce critère pour juger de la race humaine, on risque d’en tirer de très pessimistes conclusions (certains l’ont d’ailleurs fait). On peut aussi dire que plus les forces productives de l’humanité se développent, plus la souffrance et la misère affectent un grand nombre de gens. De ce point de vue, la première décennie du XXIème siècle semble confirmer tous les jugements pessimistes sur de l’histoire de l’humanité.

Certaines personnes en sont arrivées à la conclusion que, peut-être, le problème vient de ce qu’il y a eu trop de développement, trop de progrès, trop de civilisation. Ne serait-on pas plus heureux si on vivait dans la simplicité d’un environnement agricole (et dans le respect, bien entendu, de toutes les règles écologiques), où on labourerait nous-mêmes notre champ (sans tracteur), fabriquerait nos habits, cuirait notre pain - et ainsi de suite ? Autrement dit, ne serait-on pas mieux si l’on en revenait... à la barbarie ?

Etant donné l’état lamentable de la société et du monde capitalistes, on comprend aisément qu’il y ait des gens qui veulent s’évader de cette réalité et en revenir aux temps de l’« âge d’or ». Le problème, c’est que cet âge n’a jamais existé. Ceux - généralement des classes moyennes - qui parlent abondamment des délices de la vie du bon vieux temps des communes agricoles ne savent habituellement pas combien les conditions d’existence étaient alors difficiles. Citons le manuscrit d’un moine médiéval qui, à la différence de nos nostalgiques modernes, savait ce qu’était la vie sous le féodalisme. Il s’agit d’un extrait d’un livre d’enseignement de conversation en Latin :

« Le maître : Que fais-tu, paysan, et comment travailles-tu ?

L’élève : Maître, je travaille très dur. Je sors à l’aube pour conduire mes bœufs dans les champs, puis je laboure les champs. Quelle que soit la dureté de l’hiver, je n’ose pas rester chez moi de peur de mon seigneur. Après avoir fixé l’attelage du bœuf et fixé le soc et le harnais à la charrue, je dois chaque jour labourer une acre (environ 50 ares), et parfois plus.

Le maître : As-tu quelqu’un avec toi ?

L’élève : J’ai un garçon qui dirige les bœufs. Il a la voix cassée par le froid et les cris.

Le maître : Quels autres travaux as-tu à faire au cours d’une journée ?

L’élève : J’en ai bien d’autres. Je dois remplir de foin l’écuelle des bœufs, leur donner de l’eau et sortir le fumier.

Le maître : C’est un travail difficile ?

L’élève : Oui, très difficile, parce que je ne suis pas libre. »

Quelques semaines de ce style de vie constitueraient sans doute un excellent remède aux illusions des plus acharnés des romantiques. Quel dommage qu’on ne puisse pas leur prescrire un petit voyage dans une machine à remonter le temps !

Deuxième Partie

Qu’est-ce que la barbarie ?

On utilise le mot « barbarie » dans différents contextes pour désigner différentes choses. Il peut même avoir la valeur d’une simple insulte quand on se réfère au comportement de certains supporters de football un peu trop enthousiastes. Pour les grecs antiques, qui ont inventé ce mot, cela signifiait simplement « qui ne parle pas la langue (grecque) ». Pour les marxistes, ce mot désigne généralement l’étape entre le communisme primitif et les premières sociétés de classe, lorsque les classes commencent à se former, et avec elles l’Etat. La barbarie est une phase de transition, dans laquelle la vieille commune commence à décliner et où les classes sociales et l’Etat sont dans le processus de leur formation.

Comme toutes les autres sociétés humaines - y compris la sauvagerie, période de chasse et de cueillette basée sur le communisme primitif, et qui a produit les merveilleuses peintures pariétales (dans les grottes) qu’on trouve en France et dans le nord de l’Espagne -, les Barbares avaient une culture, et pouvaient fabriquer des objets d’art très fins et sophistiqués. Leurs techniques militaires indiquent un haut niveau d’organisation, comme ils l’ont prouvé en battant les légions romaines.

La barbarie constitue une large période de l’histoire humaine qui peut être à son tour divisée en plusieurs périodes plus ou moins distinctes. Elle est généralement caractérisée comme couvrant la période qui va de l’économie de chasse et de cueillette à l’économie agricole et pastorale, c’est-à-dire de la sauvagerie du haut Paléolithique à l’Age de Bronze, lequel se tient au seuil de la civilisation. Le tournant décisif intervient avec ce que Gordon Childe a appelé « la révolution Néolithique », qui marque un grand pas en avant dans le développement des capacités productives de l’homme, et par conséquent de sa culture. Voici ce qu’en dit Gordon Childe :

« Notre dette à l’égard de la barbarie pré-littéraire est énorme. Toutes les plantes cultivables et comestibles ont été découvertes à cette époque » (G. Childe, What Happened in History, p.64)

De cet embryon sont sortis les villes, l’écriture, l’industrie et tout ce qui forme les bases de ce qu’on appelle la civilisation. Les racines de la civilisation plongent dans la barbarie, et plus encore dans l’esclavage. Le développement de la barbarie débouche sur l’esclavage, ou bien sur ce que Marx a appelé le mode asiatique de production.

Il est important de comprendre la contribution des Barbares au développement de l’humanité. Ils ont joué, à un certain stade, un rôle essentiel. Ils possédaient une culture qui, à leur époque, constituait un remarquable progrès. Mais l’histoire ne s’arrête jamais. De nouveaux développements des forces productives ont mené à des formations socio-économiques qualitativement supérieures à la barbarie. Notre civilisation moderne dérive des conquêtes colossales de l’Egypte, de la Mésopotamie, des bords de l’Indus, et plus encore de la Grèce et de Rome.

Sans nier l’existence d’une culture barbare, les marxistes affirment sans hésiter que cette culture a été supplantée par les cultures supérieures de l’Egypte, de la Grèce et de Rome. Ne pas le reconnaître, ce serait aller à l’encontre de simples faits.

Le rôle de l’esclavage

Le plus frappant, lorsqu’on regarde l’ensemble de la préhistoire et de l’histoire humaines, c’est l’extraordinaire lenteur du développement de notre espèce. L’évolution graduelle qui part de l’animal, passe par les hominidés et débouche sur des conditions d’existence proprement humaines s’étend sur des millions d’années. L’époque de la sauvagerie, qui est caractérisée par un développement des moyens de production extrêmement lent, par la fabrication d’outils en pierre, et par un mode d’existence fondé sur la chasse et la cueillette - cette époque dessine une courbe de développement quasiment plate sur une très longue période. Les choses commencent à s’accélérer précisément dans la période de la barbarie, et en particulier avec la « révolution Néolithique », lorsque les premières communautés stables (sédentarisées) ont constitué des villes (telle Jericho, qui date de 7000 av. JC)

Ceci dit, ce sont les civilisations d’Egypte, de Mésopotamie, des bords de l’Indus, de la Perse, de la Grèce et de Rome qui marquent l’accélération historique la plus nette. En d’autres termes, la formation de sociétés de classes coïncide avec un essor massif des forces productives, et, par conséquent, de la culture humaine, qui atteint des niveaux sans précédents. On n’énumèrera pas ici les découvertes qu’ont réalisés, par exemple, les Grecs et les Romains. Il y a une scène célèbre dans La vie de Brian, un film des Monthy Python, dans laquelle un « combattant de la liberté » surexcité demande, sur le ton du défi : « Qu’est-ce que les Romains ont fait pour nous ? » A son grand embarras, il obtient en réponse une longue liste de choses. Faisons en sorte de ne pas commettre la même erreur que ce personnage de fiction !

Certains nous objecterons peut-être que les civilisations grecques et romaines reposaient sur l’esclavage, cette institution abominable, inhumaine. Et en effet, c’est l’esclavage qui a permis les merveilleuses réalisations de l’Athènes antique. Sa démocratie - sans doute la plus élaborée de toute l’histoire - était la démocratie pour la minorité des citoyens libres. La majorité - les esclaves - n’avaient strictement aucun droit. J’ai récemment reçu une lettre dans laquelle son auteur défend l’idée d’une supériorité de la barbarie sur l’esclavage. En voici un extrait :

« Les sociétés primitives étaient les moins barbares de toute l’histoire. Par exemple, leurs guerres faisaient généralement peu de victimes. La barbarie du nazisme et des guerres des Balkans est caractéristique du capitalisme, tout comme le féodalisme et les sociétés esclavagistes avaient leur barbarie caractéristique. Les réalités les plus barbares de l’histoire sont toutes, d’une manière ou d’une autre, le fait de sociétés de classe. »

Ces lignes posent la question de la guerre d’une façon moraliste, et non matérialiste. La guerre a toujours été barbare. Il s’agit de tuer des gens le plus efficacement possible. Certes, les guerres des sociétés primitives tuaient moins de monde que les guerres modernes. Mais cela s’explique dans une large mesure par le fait que le développement de la science et de la technique a mené à un perfectionnement de la productivité humaine, non seulement dans l’industrie et l’agriculture, mais aussi sur les champs de bataille. Dans son Anti-Dühring, Engels explique que l’histoire de la guerre ne peut être comprise qu’en liaison avec le développement des forces productives. Les Romains savaient tuer des gens bien mieux que les Barbares (au moins dans la phase ascendante de l’Empire romain), et nous sommes aujourd’hui incomparablement plus forts que les romains dans ce domaine.

Les marxistes ne doivent pas considérer l’histoire du point de vue de la morale. Encore une fois, il n’y a pas de morale supra-historique : chaque société a sa morale, religion, culture, etc, qui correspondent à un niveau particulier de développement, et également - tout au moins dans les sociétés dites civilisées - aux intérêts d’une classe sociale particulière. Le fait qu’une guerre donnée soit bonne, mauvaise ou indifférente, ne peut être jugé en fonction du nombre de victimes, et encore moins du point de vue abstrait des principes moraux. On peut désapprouver les guerres en général, mais une chose n’en reste pas moins certaine : l’histoire de l’humanité dans son ensemble démontre que tous les conflits sérieux ont finalement été réglés de cette manière. Cela vaut aussi bien pour les conflits entre nations (guerres) que pour les conflits entre classes sociales (révolutions).

Notre attitude à l’égard d’un type particulier de société ne doit pas davantage relever d’un jugement moral. Du point de vue du matérialisme historique, il est complètement indifférent de savoir que certains Barbares (y compris, semble-t-il, mes ancêtres Celtes) brûlaient des gens encore vivants dans de grandes statues en osier pour célébrer le milieu de l’été. Il n’y a pas plus de raison de les condamner pour cela qu’il n’y en a de les aduler pour leurs joailleries ou leur amour de la poésie. Ce qui détermine le caractère progressiste - ou non - d’une formation socio-économique, c’est avant tout sa capacité à développer les forces productives - qui sont les véritables bases matérielles sur lesquelles toute culture humaine émerge et se développe.

Si, pendant une longue période, l’évolution de l’homme a été extrêmement lente, c’est précisément à cause de très faible niveau de développement des forces productives. Comme on l’a expliqué plus haut, l’accélération de l’histoire humaine commence avec la barbarie. Cette dernière constituait donc un progrès historique. Mais il a été à son tour nié et dépassé par la forme historiquement supérieure de l’esclavage. Le vieil Hegel, ce merveilleux penseur, écrivait : « L’humanité ne s’est pas tant affranchie de l’esclavage qu’à travers l’esclavage » (Philosophie de l’histoire)

Les Romains utilisaient la force brute pour subjuguer les autres peuples, ont plongé des villes entières dans l’esclavage, ont joué avec la vie des milliers de prisonniers de guerre dans les cirques publics, et ont introduit des méthodes d’exécution aussi raffinées que la crucifixion. Tout cela est parfaitement vrai. Et pourtant, quand on en vient à considérer d’où vient notre civilisation moderne, notre culture, notre littérature, notre architecture, notre médecine, et dans bien des cas notre langue - on trouve les civilisations grecques et romaines.

Il n’est pas difficile d’établir la longue liste des crimes des Romains (ou des seigneurs féodaux, ou encore des capitalistes modernes). Il est même possible, dans une certaine mesure, de juger plus mal les Romains que les tribus barbares, contre lesquelles ils étaient plus ou moins constamment en guerre. Ce ne serait pas nouveau. Les écrits de l’historien romain Tacite sont pleins de ce genre de raisonnements. Mais cela ne nous ferait pas avancer d’un pas dans notre compréhension scientifique de l’histoire. Celle-ci n’est possible qu’en appliquant correctement les méthodes du matérialisme historique.

L’ascension et la chute de Rome

Bien que la productivité de l’esclave individuel était assez faible (les esclaves sont contraints au travail), la concentration d’un grand nombre d’esclaves dans les mines et dans les latifundia (vastes unités agricoles) permettait à la République et à l’Empire de Rome de produire un surplus considérable. A l’apogée de l’Empire, les esclaves étaient innombrables et bon marché. Les guerres romaines étaient alors essentiellement des chasses à l’esclave de très grande échelle. Mais, à un certain stade, ce système a atteint ses limites et a commencé à lentement décliner.

A Rome, les premiers éléments d’une crise peuvent être observés dès la fin de la période républicaine, avec le développement de profonds bouleversements politiques et d’âpres conflits de classes. Dès le début, il a eu de violentes luttes, à Rome, entre riches et pauvres. Les écrits de Livy - entre autres - rendent compte en détail des luttes entre Plébéiens et Patriciens, qui ont débouché sur un fragile compromis. Plus tard, lorsque Rome s’est rendue maître de toute la méditerranée en remportant la victoire sur Carthage, sa principale rivale, une lutte pour le partage du butin s’est engagée.

Tiberius Gracchus demandait que la richesse de Rome soit partagée entre les citoyens libres. Son objectif était de faire de l’Italie une République, non plus d’esclaves, mais de petits paysans. Il a cependant été battu par les nobles et les propriétaires d’esclaves. Sur le long terme, cette défaite constituait un véritable désastre. La paysannerie ruinée - colonne vertébrale de la République et de son armée - a afflué vers Rome, où elle a constitué un lumpen-prolétariat, une classe non productive vivant sur les ressources de l’Etat. Cette classe sociale était pleine d’animosité à l’égard des riches, mais elle était comme eux intéressée à l’exploitation des esclaves - la seule classe réellement productive pendant l’Empire et la République.

La grande révolte d’esclaves dirigée par Spartacus est un épisode glorieux de l’histoire antique. Les échos de ce soulèvement titanesque se sont prolongés pendant des siècles et il constitue encore aujourd’hui une source d’inspiration. Ces masses opprimées qui se soulèvent, les armes au poing, et infligent défaite sur défaite à l’armée de la plus grande puissance au monde - c’est là un des événements les plus incroyables de toute l’histoire. Si elles étaient parvenues à renverser l’Etat romain, le cours de l’histoire en aurait été sérieusement modifié.

Bien sûr, il n’est pas possible de dire exactement ce qui s’en serait suivi. Les esclaves auraient certainement été libérés. Mais étant donné le niveau de développement des forces productives, la tendance générale n’aurait pas pu aller au-delà d’une sorte de féodalisme. L’humanité aurait tout au moins été épargnée des horreurs de l’« Age des ténèbres », et il est probable que son développement économique et culturel aurait été plus rapide.

La raison fondamentale de l’échec de Spartacus réside dans l’absence d’une liaison avec prolétariat des villes. Tant que ce dernier soutenait l’Etat, la victoire des esclaves était impossible. Mais le prolétariat romain, à la différence du moderne, n’était pas une classe productive mais plutôt une classe parasitaire, vivant sur le travail des esclaves et dépendant de ses maîtres (lumpen-prolétariat). La défaite de la révolution romaine plonge ces racines dans ce fait.

Marx et Engels expliquaient que la lutte des classes se termine soit par la victoire de l’une des classes, soit par la ruine commune des classes antagoniques. Le sort de la société romaine est l’exemple le plus évident du second cas de figure. La défaite des esclaves a directement mené à la ruine de l’Etat romain. En l’absence d’une paysannerie libre, l’Etat était obligé de recourir à des armées de mercenaires pour mener ses guerres. L’impasse dans la lutte des classes a produit une situation équivalente au phénomène moderne du Bonapartisme. La version moderne du Bonapartisme était ce qui est connu sous le nom de Césarisme.

Le légionnaire romain n’était plus fidèle à la République mais à son commandant - c’est-à-dire à l’homme qui lui donnait sa paye, sa part des pillages et un coin de terre pour sa retraite. La dernière période de la République se caractérise par une intensification de la lutte des classes, dans laquelle personne ne parvient à remporter une victoire décisive. En conséquence, l’Etat - que Lénine caractérisait comme « un détachement d’hommes en arme » - a commencé à acquérir une indépendance croissante, à s’élever au-dessus de la société et à constituer l’arbitre de l’incessante lutte pour le pouvoir.

Toute une série d’aventuriers militaires ont fait leur apparition : Marius, Crassus, Pompey, et finalement Jules César, qui était un général brillant, un politicien avisé, un homme d’affaire de premier ordre, et qui a effectivement mis fin à la République - tout en s’en proclamant le défenseur. Ses victoires en Gaulle, en Espagne et en Bretagne on renforcé son prestige, et il a peu à peu concentré tout le pouvoir entre ses mains. Bien qu’une fraction conservatrice qui voulait maintenir la République l’ait assassiné, le vieux régime était condamné.

Dans sa pièce Jules César, Shakespeare dit de Brutus : « C’était le plus noble de tous les Romains. » Certes, Brutus et ceux qui ont conspiré contre César ne manquaient pas de courage, et leurs motifs étaient peut-être nobles. Mais ils étaient d’irrécupérables utopistes. La République qu’ils voulaient défendre n’était depuis longtemps qu’un corps pourrissant. Certes, après la victoire du triumvirat sur Brutus et ses compagnons, la République était quand même formellement reconnue, et le premier Empereur, Augustus, n’est pas revenu là-dessus. Mais le titre d’« Empereur » - imperator en latin - est un titre militaire qui a été inventé pour éviter celui de « roi », lequel aurait trop agressé les oreilles républicaines. Cependant, il s’agissait bel et bien d’un roi.

Les formes de l’ancienne République ont longtemps survécu. Mais ces formes n’avaient plus de contenu, et n’étaient rien d’autre qu’une enveloppe vide qui, sur la fin, pouvait être balayée d’un coup de vent. Le Sénat n’avait quasiment ni pouvoir, ni autorité. Jules César avait choqué la respectable opinion publique en introduisant un Gaulois au Sénat. Caligula a considérablement amélioré ce procédé en donnant le titre de sénateur à son cheval. Nul n’y a vu le moindre inconvénient - ou, tout au moins, n’a osé formuler une objection.

Les Empereurs continuaient à « consulter » le Sénat, et s’efforçaient même, ce faisant, de ne pas rire trop fort. Dans la dernière période de l’Empire, lorsque, du fait de la corruption et du déclin de la production, les finances étaient dans un état lamentable, les riches Romains étaient régulièrement « promus » sénateurs de façon à les obliger à payer des taxes supplémentaires. Un humoriste romain disait de l’un de ces législateurs malgré eux qu’il « avait été banni au Sénat ».

Il arrive souvent, dans l’histoire, que des institutions dépassées survivent longtemps aux raisons qui ont motivé leur existence. Elles traînent alors une vie misérable, telles un vieillard décrépit et déambulant, jusqu’à ce qu’elles soient balayées par une révolution. Le déclin de l’Empire romain a duré près de quatre siècles. Ce ne fut pas un processus ininterrompu. Il y a eu des périodes de reprise, et même des périodes glorieuses, mais la ligne générale était descendante.

Ces périodes historiques sont imprégnées d’un sentiment général de malaise. L’humeur qui prédomine alors est faite de scepticisme, d’absence de foi et de pessimisme. Les vieilles traditions, la morale et la religion - autant de puissants facteurs de cohésion sociale - perdent leur crédibilité. Les vieilles religions sont délaissées au profit de nouveaux dieux. Dans sa période de déclin, Rome était envahie par différentes sectes venues de l’Est. Le Christianisme n’était que l’une d’entre elles, et bien qu’elle l’ait emporté, elle avait alors de nombreuses rivales, comme par exemple le culte de Mithras.

Lorsque les gens sentent que le monde dans lequel ils vivent est en train de chanceler, qu’ils ont perdu tout contrôle sur leur existence - alors s’ouvre un espace pour l’émergence de tendances mystiques et irrationnelles. Les gens s’imaginent que la fin du monde est proche. Les premiers chrétiens le croyaient passionnément, mais de nombreuses personnes le suspectaient. En réalité, ce qui allait à sa fin, ce n’était pas le monde mais seulement une forme particulière de société - la société fondée sur l’esclavage. Le succès du Christianisme reposait sur sa connexion avec l’humeur générale de la société. Le monde était un enfer plein de vice. Il était nécessaire de tourner le dos au monde et à ce qui s’y passait pour se consoler dans la croyance d’une vie après la mort.

De fait, ces idées s’élaboraient déjà dans certaines tendances philosophiques romaines. Face à une société qui n’offre aucun espoir, les hommes et femmes peuvent avoir deux réactions : soit ils tachent de parvenir à une compréhension rationnelle de ce qui se passe, de façon à pouvoir le changer ; soit ils tournent leur dos à la société. Dans la période déclin de l’Empire romain, la philosophie était dominée par le subjectivisme - le stoïcisme et le scepticisme. A partir d’un angle différent, Epicure apprenait aux gens à rechercher le bonheur et à apprendre à vivre sans peur. C’était une philosophie sublime, mais qui ne pouvait plaire, dans le contexte donné, qu’à la fraction la plus intelligence de la classe dirigeante. Il y eut finalement la philosophie néo-platonicienne de Plotin, qui relève quasiment du mysticisme et de la superstition, et qui a fourni une justification philosophique au Christianisme.

Lors des invasions barbares, toute la structure sociale romaine était déjà sur le point de s’écrouler, non seulement sur le plan économique, mais aussi sur les plans moral et spirituel. Ce n’est pas par hasard que les Barbares ont été accueillis en libérateurs par les esclaves et les sections les plus pauvres de la société romaine. Les Barbares ont complété un travail qui avait commencé bien avant leur arrivée. Les invasions barbares étaient un accident historique qui a servi à exprimer une nécessité historique.

Pourquoi les Barbares ont-ils triomphé ?

Comment se fait-il qu’une culture hautement développée ait été aussi facilement dominée par une culture plus arriérée et primitive ? L’effondrement de Rome était en germe depuis un bon moment. La contradiction fondamentale de l’économie esclavagiste résidait dans le fait que, paradoxalement, elle était basée sur un bas niveau de productivité du travail. Le travail des esclaves n’est productif que s’il est réalisé à une échelle massive. Et la condition fondamentale de cela, c’est une offre suffisante d’esclaves à bas prix. Dans la mesure où les esclaves captifs se reproduisent très lentement, la seule façon de garantir un apport d’esclaves suffisant consistait à mener en permanence des guerres. Mais dès que, sous Hadrien, l’Empire a atteint ses limites, c’est devenu de plus en plus difficile.

Une fois que l’Empire a atteint ses limites et que les contradictions internes de l’esclavagisme ont commencé à s’affirmer, Rome est entré dans une période de déclin qui a duré plus de quatre siècles - jusqu’à son renversement par les Barbares. Les migrations massives qui ont contribué à l’effondrement de l’Empire étaient un phénomène courant parmi les peuples semi-nomades de l’antiquité et se sont produites pour différentes raisons : la pénurie de pâturages résultant de la croissance démographique, des changements climatiques, etc.

Dans le cas qui nous intéresse, des peuples bien établis des steppes de l’Ouest et d’Europe de l’est ont été chassés de leurs terres sous la pression, venue de l’Est, de tribus nomades plus arriérées - les Hsiung-nu, mieux connus sous le nom de Huns. Est-ce que ces derniers avaient une culture ? Oui, ils avaient une sorte de culture, comme tous les peuples, même les plus arriérés. Les Huns ne connaissaient pas l’agriculture, mais leur horde était une formidable machine de guerre. Il n’y avait pas meilleure cavalerie au monde. On disait d’eux que leur pays était le dos d’un cheval.

Ceci dit, malheureusement pour l’Europe, les Huns se sont heurtés au IVème siècle à une culture beaucoup plus avancée, une civilisation qui maîtrisait l’art de la construction, qui vivait dans des villes et qui possédait une armée disciplinée - la Chine. Les prouesses de ces redoutables guerriers des steppes mongoles ne faisait pas le poids face aux très civilisés chinois qui, pour les contrer, ont construit la Grande Muraille - une véritable merveille d’ingénierie.

Battus par les Chinois, les Huns sont repartis vers l’Ouest, et dévastaient tout sur leur passage. En passant par l’actuelle Russie, ils se sont heurtés aux Goths en 355. Bien que les tribus gothiques jouissaient d’un niveau de développement supérieur à celui des Huns, ils ont été taillés en pièce et ont dû partir vers l’Ouest. Les survivants - quelques 80 000 hommes, femmes et enfants désespérés et qui se déplaçaient sur des chariots primitifs - sont arrivés à la frontière de l’Empire romain à un moment où le déclin de la société esclavagiste était tel que ses capacités de défense étaient sérieusement affaiblies. Les Visgoths (les Goths de l’Ouest), qui se tenaient à un niveau de développement inférieur à celui des Romains, les ont tout de même battus. L’historien romain Ammianus Marcellinus a décrit cet affrontement entre deux mondes étrangers comme « la plus désastreuse défaite romaine depuis Cannae »

En un très court espace de temps, la plupart des villes romaines ont été abandonnées. Il est vrai que ce processus avait commencé avant l’invasion barbare. Tout le système était déjà ébranlé par le déclin de l’économie esclavagiste et la nature monstrueusement oppressive de l’Empire, avec sa pesante bureaucratie et ses impôts étouffants. Il y avait une migration régulière vers les campagnes, où les bases du développement d’un nouveau mode de production - le féodalisme - étaient posées. Les Barbares ont seulement donné le coup de grâce à un système moribond. Ils ont juste infligé un ultime et violent choc au pourrissant édifice romain.

La ligne romaine qui longeait le Danube et le Rhin, cette ligne réputée imprenable s’effondra. A un certain stade, différentes tribus barbares - dont les Huns - ont convergé dans une attaque commune contre Rome. Le chef gothique Alaric (qui, par ailleurs, était un chrétien arien et un ancien mercenaire romain) a dirigé 40 000 Goths, Huns et esclaves libérés à travers les Alpes juliennes. Huit ans plus tard, ils mirent Rome à sac. Alaric semble avoir été quelqu’un de relativement éclairé, et il tenta notamment d’épargner les Romains. Mais il ne pouvait contrôler les Huns et les anciens esclaves, qui se livrèrent aux pillages, aux viols et aux massacres. Des sculptures d’une valeur inestimable ont été détruites, et des œuvres d’art étaient fondues pour leur précieux métal. Et ce n’était qu’un début. Au cours des siècles qui ont suivi, des vagues successives de Barbares ont déferlé à partir de l’Est : Visigoths, Ostrogoths, Alans, Lombards, Suèves, Alamans, Bourguignons, Francs, Thuringiens, Frisons, Heruli, Gépides, Angles, Saxons, Jutes, Huns et Magyars ont envahi l’Europe. L’Empire éternel et tout-puissant était réduit à l’état de cendre.

Est-ce que la civilisation régressa ?

Est-il correct de dire que le renversement de l’Empire romain par les Barbares a fait régresser la civilisation humaine ? Malgré la récente et bruyante campagne des « Amis de la Société Barbare », il est impossible d’en douter, et cela peut-être aisément démontré par des faits et des chiffres. Les invasions barbares ont eu pour première conséquence de rejeter en arrière, et pour un millénaire, la civilisation et la pensée humaines.

Le développement des forces productives a été violemment interrompu. Les villes étaient détruites et abandonnées. Les populations affluaient vers les terres à la recherche de nourriture. Même notre vieil ami Rudgley est forcé de l’admettre : « Les seules vestiges architecturaux qu’ont laissés les Huns sont les cendres des villes qu’ils ont brûlées. » Et pas seulement les Huns. Le premier acte des Goths fut de raser la ville de Mainz. Pourquoi ont-ils fait cela ? Pourquoi ne l’ont-ils pas simplement occupée ? A cause du faible niveau de développement économique des envahisseurs. C’était des peuples agricoles qui ne connaissaient rien des villes. De manière générale, les Barbares étaient hostiles à l’égard des villes et de leurs habitants - un trait psychologique que l’on retrouve plus ou moins dans les paysanneries de toute époque.

Saint Jérôme décrit en ces termes les résultats de ces dévastations : « Rien, dans ces paysages désertiques, n’a été laissé sinon la terre et le ciel. Après la destruction des villes et l’extirpation de la race humaine, les terres étaient recouvertes d’épaisses forêts et d’inextricables ronces ; la désolation universelle annoncée par le prophète Zephaniah fut réalisée dans la pénurie de bêtes, d’oiseaux et même de poissons. »

Ces lignes ont été écrites vingt ans après la mort de l’empereur Valens, lorsque les invasions barbares ont commencées. Elles décrivent la situation dans la province native de St. Jérôme, Pannonia (l’actuelle Hongrie) où des vagues successives d’envahisseurs ont semé la mort et la destruction à une échelle inimaginable. Finalement, Pannonia s’est complètement vidée de ses habitants. Plus tard, les Huns s’y sont installés, puis enfin les Magyars. Ces dévastations et pillages ont continué pendant des siècles, laissant derrière eux l’héritage d’une terrible arriération - en fait, de la barbarie. C’était l’ « Age des ténèbres ». Juste une citation :

« L’Age des ténèbres portait bien son nom. Les famines et les épidémies, qui ont culminé avec la Peste Noire et ses pandémies récurrentes, décimaient les populations. La sous-alimentation frappait les survivants. De brusques changements climatiques provoquaient des orages et des pluies dont les conséquences étaient désastreuses, étant donné que le système de drainage de l’Empire - comme la plupart de ses autres infrastructures - ne fonctionnait plus. On comprend mieux ce qu’était le Moyen Age lorsqu’on sait qu’en 1500, après un millénaire de négligences, les routes construites par les romains étaient toujours les meilleures du continent. La plupart des autres étaient devenues impraticables. La même chose peut-être dite des ports européens jusqu’au XVIIIème siècle, lorsque le commerce a commencé à repartir. Parmi les métiers perdus figurait la maçonnerie en briques. En Allemagne, en Angleterre, en Hollande et en Scandinavie, il n’y eut, en dix siècles, presque aucun monument en pierre de construit - exceptées les cathédrales. Pour leur travail agricole, les serfs disposaient essentiellement de pioches, fourches, râteaux, faux et faucilles à manche. Dans la mesure où il y avait très peu de fer, il n’y avait pas de charrue à roues et à soc métallique. L’absence de charrues ne posait pas de problème majeur dans le sud, où les paysans pouvaient pulvériser la terre méditerranéenne, mais la terre plus lourde de l’Europe du nord devait être découpée, soulevée et retournée à la main. Il y avait des chevaux et des bœufs, mais ils étaient d’un usage limité. Harnais et étriers ne firent leur apparition qu’aux alentours de 900 après JC. Par conséquent, les attelages en tandem n’existaient pas. Les paysans travaillaient très dur et mouraient plus souvent de fatigue que leurs animaux. » (William Manchester, A World Lit Only by Fire, pp. 5-6)

Une longue période de stagnation a suivi l’effondrement de l’Empire romain. En un millénaire, il n’y a pas eu d’inventions notable à l’exception de la roue hydraulique et du moulin à vent. En d’autres termes, il y eut une éclipse culturelle totale. C’était la conséquence de l’effondrement des forces productives, dont la culture dépend en dernier ressort. Si on ne comprend pas cela, il est impossible d’avoir une compréhension scientifique de l’histoire.

La pensée humaine, l’art, la science et la culture en général étaient réduits aux niveaux les plus primitifs, et n’ont commencé à refleurir qu’avec l’introduction, par les Arabes, de la pensée grecque et romaine. Au cours de cette période qu’on appelle la Renaissance, le cours de l’histoire se débloquait. Le lent développement du commerce a mené au développement de la bourgeoisie et de villes - notamment dans les Flandres, en Hollande et en Italie du nord. Mais c’est un fait incontestable que la civilisation avait connu un millénaire de régression. C’est cela que nous entendons par « ligne descendante de l’histoire ». Et on ne doit pas s’imaginer qu’une telle chose ne puisse plus advenir.

Socialisme ou barbarie

Toute l’histoire de l’humanité réside précisément dans la lutte du genre humain pour s’élever au dessus de l’espèce animale. Cette longue lutte a commencé il y a sept millions d’années, lorsque nos vieux ancêtres humanoïdes se dressaient pour la première fois sur leurs jambes et libéraient leurs mains pour le travail manuel. La production des premiers outils manuels en pierre constituait le moment initial d’un processus par lequel l’homme et la femme se sont humanisés par le biais du travail. Depuis, le développement de la productivité du travail humain - autrement dit, de notre pouvoir sur la nature - a accompagné et déterminé les phases successives du développement social.

Pendant la plus grande partie de l’histoire humaine, ce processus a été d’une extrême lenteur. Comme le remarquait The Economist au seuil du nouveau millénaire : « Pour la quasi-totalité de l’histoire humaine, les progrès économiques étaient si lents qu’ils n’étaient pas perceptibles à l’échelle d’une vie. Pendant des siècles et des siècles, le taux de croissance annuel était, à la décimale près, de zéro. Lorsqu’il y avait croissance, elle était si lente que les gens ne pouvaient la percevoir. Elle consistait d’ailleurs non tant en élévation du niveau de vie qu’en une faible croissance démographique. Abstraction faite d’une élite minuscule, le progrès a consisté, durant des millénaires, dans le fait que la possibilité de simplement survivre s’ouvrait progressivement à une population de plus en plus nombreuse. » (The Economist, 31 décembre 1999)

Le rapport entre le développement de la culture et celui des forces productives était déjà connu du grand génie antique Aristote. Dans sa Métaphysique, il écrivait que « l’homme ne commence à philosopher que lorsque ses moyens de subsistances sont assurés », et ajoutait que la raison pour laquelle les Egyptiens avaient inventé l’astronomie et les mathématiques résidait dans le fait que la caste des prêtes égyptiens n’avaient pas besoin de travailler. C’est là une conception parfaitement matérialiste de l’histoire. Et c’est la réponse aux délires utopistes de ceux qui s’imaginent que la vie serait merveilleuse si seulement on pouvait « en revenir à la nature » - autrement dit à un niveau d’existence animal.

La réalisation du véritable socialisme dépend du développement des forces productives bien au-delà de ce que nous trouvons aujourd’hui dans les pays capitalistes les plus développés, comme par exemple aux USA, au Japon ou en Allemagne. Marx l’a expliqué dans l’Idéologie Allemande, un ouvrage antérieur au Manifeste du Parti Communiste. Il écrivait que « l’indigence ressusciterait tout le vieux fatras. » Et par « vieux fatras », il entendait l’oppression de classe, l’inégalité et l’exploitation. La raison pour laquelle la révolution d’Octobre a dégénéré dans le Stalinisme réside dans le fait qu’elle s’est déroulée dans un pays arriéré et qui est resté isolé. Les conditions matérielles pour construire le socialisme faisaient défaut.

Le capitalisme est le système le plus oppresseur et le plus exploiteur qui ait jamais existé.D’après les mots de Marx, « le Capital s’est imposé à l’histoire en crachant le sang par chacune de ses pores ». Mais, comme l’expliquait aussi Marx, le capitalisme n’en représentait pas moins un formidable bond en avant dans le développement des forces productives - et par conséquent de notre pouvoir sur la nature. Le développement de l’industrie, de l’agriculture, de la science et de la technologie a transformé la planète et a posé les bases d’une révolution complète qui, pour la première fois de l’histoire, nous permettra de devenir des hommes libres.

Nous sommes sortis de la sauvagerie, de la barbarie, de l’esclavage et du féodalisme - et chacune de ces étapes représentait une étape déterminée dans le développement des forces productives et de la culture. Le bourgeon disparaît lorsque surgit la fleur, et on peut considérer cela comme une négation, une chose contredisant l’autre. Mais en fait, ce sont des étapes nécessaires, qui doivent être prises dans leur unité. Il est absurde de dénier un rôle historique à la barbarie, comme à tout autre étape du développement humain. Mais l’histoire avance.

Chaque étape du développement humain prend ses racines dans tous les développements précédents. C’est aussi vrai de l’évolution de l’espèce humaine que de l’évolution sociale. Comme les études sur le génome l’ont prouvé, nous sommes génétiquement reliés aux formes les plus primitives de vie. Nous partageons 98% des structures génétiques du chimpanzé, notre plus proche parent vivant. Mais ces 2% de différence représentent un immense saut qualitatif.

De la même façon, le développement du capitalisme a posé les bases d’une étape supérieure (oui, supérieure) dans le développement humain, étape que nous appelons le socialisme. L’actuelle crise mondiale n’est rien de plus que l’expression du fait que le développement des forces productives entre en conflit avec les limites de la propriété privée des moyens de production et de l’Etat-nation. Le capitalisme a depuis longtemps épuisé son rôle progressiste et est devenu un monstrueux obstacle sur le chemin de l’histoire. Cet obstacle doit être écarté pour que l’humanité avance. Et s’il n’est pas écarté à temps, de terribles menaces planent sur l’avenir du genre humain.

La vieille société porte en elle l’embryon de la nouvelle. Des éléments de démocratie ouvrière existent déjà dans la forme des organisations ouvrières, des comités de délégués syndicaux, des syndicats, des coopératives, etc. Dans la période qui s’ouvre, il y aura une lutte à mort : une lutte des éléments de la société qui doit naître contre l’ancienne société, qui tentera avec acharnement d’empêcher la première d’advenir.

Comme on peut déjà le voir avec les grèves générales en Europe, les mouvements révolutionnaires en Amérique Latine et, partout, la révolte de la jeunesse, ce conflit atteindra un point critique. Aucune classe, dans l’histoire, n’a jamais abandonné ses pouvoirs et privilèges sans livrer une lutte furieuse. La crise du capitalisme n’est pas seulement une crise économique qui menace le niveau de vie et l’emploi de millions de gens à travers le monde. Elle menace aussi les fondements mêmes de l’existence civilisée - dans la mesure où celle-ci existe. Elle menace de faire régresser le genre humain dans tous les domaines. Si la classe ouvrière - la seule classe révolutionnaire - ne parvient pas à renverser la classe qui contrôle les banques et les multinationales, l’histoire va vers un effondrement de la culture, voire un retour à la barbarie.

En fait, pour la plupart des gens d’Occident (mais pas seulement d’Occident), les manifestations les plus évidentes de la crise du capitalisme ne sont pas économiques, mais consistent dans ces phénomènes qui affectent les points les plus sensibles de leur vie personnelle : l’éclatement des familles, l’épidémie de crime et de violence, l’effondrement des anciennes valeurs morales sans rien à mettre à la place, l’irruption récurrente de guerres - autant de choses qui donnent naissance à un sentiment d’instabilité et à une vision pessimiste du présent et de l’avenir. Ce sont là des symptômes de l’impasse du capitalisme, qui en dernière analyse - et seulement en dernière analyse - résulte de la révolte des forces productives contre les limites de la propriété privée et de l’Etat-nation.

Marx soulignait que le genre humain faisait face à l’alternative suivante : socialisme ou barbarie. La démocratie formelle, que les travailleurs d’Europe et des Etats-Unis considèrent comme une chose normale, est en réalité une structure très fragile qui ne survivra pas à un affrontement ouvert entre les classes. A l’avenir, la classe capitaliste « civilisée » n’hésitera pas à pencher vers la dictature. La mince couche de culture et de civilisation moderne recouvre des forces qui ressemblent aux pires des barbaries. Les événements qui, récemment, ont frappé les Balkans, nous le rappellent de la manière la plus crue. Les normes culturelles peuvent facilement s’effondrer et les démons d’un passé lointain et oublié peuvent ressurgir dans les nations les plus civilisées. Oui, en effet, l’histoire connaît aussi bien des lignes descendantes que des lignes ascendantes !

La question se pose dès lors de la manière la plus simple : dans la période à venir, soit la classe ouvrière saisira les reines de la société, remplaçant le pourrissant système capitaliste par un nouvel ordre social fondé sur une planification harmonieuse et démocratique des forces productives - soit nous ferons face au spectacle effrayant d’un effondrement social, économique et culturel.

Pendant des milliers d’années, la culture a été le monopole d’une minorité privilégiée, et ce alors que la grande majorité de l’humanité était exclue du savoir, de la science, de l’art et du gouvernement. C’est toujours le cas aujourd’hui. Quoiqu’on en dise, nous ne sommes pas vraiment civilisés. Notre monde ne mérite pas son nom. C’est un monde barbare, peuplé de gens qui doivent encore se débarrasser d’un héritage de barbarie. Pour la grande majorité de la population mondiale, la vie demeure une lutte permanente et acharnée pour l’existence, non seulement dans les pays sous-développés, mais aussi dans les grandes puissances capitalistes.

Pour autant, le matérialisme historique ne nous mène pas à des conclusions pessimistes - tout au contraire. La tendance générale de toute l’histoire est celle d’un développement de nos forces productives et de notre potentiel culturel. Les progrès réalisés au cours du siècle passé ont crée une situation où, pour la première fois de l’histoire, tous les problèmes auxquels les hommes font face peuvent être aisément résolus. La possibilité d’une société sans classe existe à l’échelle mondiale. Ce qu’il faut pour réaliser ce potentiel immense, pratiquement infini, c’est une planification rationnelle et harmonieuse des forces productives.

Sur les bases d’une véritable révolution dans le domaine de la production, il serait possible d’assurer une telle abondance que les hommes et les femmes n’auraient plus à se soucier au quotidien de leurs besoins matériels. Disparaîtront alors l’inquiétude et les peurs humiliantes que connaissent, à chaque heure de leur vie, la majorité des gens. Pour la première fois, des hommes libres deviendront les maîtres de leur destinée. Pour la première fois, ce seront vraiment des hommes. Et alors commencera la véritable histoire de l’humanité.

Alan Woods

la-crise-du-capitalisme-et-l'importance-actuelle-de-marx-150-annees-apres-les-grundrisse-entretien-avec-eric-hobsbawm-

La crise du capitalisme et l’importance actuelle de Marx 150 années après les Grundrisse. Entretien avec Eric Hobsbawm • • • Publié 14 octobre 2008 Culture , Les laboratoires du changement social
” Pour quiconque est intéressé par les idées, qu’il soit un étudiant universitaire ou non, il est manifeste que Marx est et restera comme l’un des grands esprits philosophiques et des analystes économiques du dix neuvième siècle et, au plus haut de son expresion, un maître dans une prose passionnée.  Il est également important de lire Marx parce que le monde dans lequel nous vivons, ne peut être compris sans l’influence des écrits que cet homme a eu sur le XX e siècle. Et finalement, il devra être lu parce que comme il l’a écrit lui-même, le monde ne pourra être changé de manière effective à moins qu’il soit compris, et Marx reste comme un superbe guide pour la compréhension du monde et les problèmes auquels nous devons faire face ».



Eric Hobsbawm est consideré comme l’uns des plus grands historiens vivants.  Il est président de la Birkbeck College (London University) et professeur émérite de la New School for Social Research (New York).  Parmi l’ensemble de ses nombreux ses écrits on relève : la triologie autour du “long XIX e siècle” L’âge de la Révolution :  : Europe 1789-1848 (1962); L’âge du capital: 1848-1874 (1975);L’age de l’Empire: 1875-1914 (1987 et le livre : The Age of Extremes: The Short Twentieth Century, 1914-1991 (1994)traduits en diverses langues. Nous l’avons interviewé à propos de la publication du voume Karl Marx’s Grundrisse. Foundations of the Critique of Political Economy 150 Years Later  et avec la préoccupation de la nouvelle actualité  qu’ont désormais les écrits de Marx ces dernières années et depuis la nouvelle crise de Wall Street.Notre collaborateur Marcello Musto l’a interviewé pour Sin Permiso. La traduction française est de Danielle Bleitrach pour
http://socio13.wordpress.com/

Marcelo Musto. Professeur Hobsbawm,deux décennies après 1989, quand il  fut hativement relégué dans l’oubli, Karl marx est revenu au centre de l’attention.. Libéré du rôle “d’intrumentum regni” qui lui a été assigné en Union soviétique et des liens avec le ”marxisme - léninisme”, non seulement il est l’objet d’une attention intellectuelle grâce à de nouvelles publications de son œuvre mais l’intérêt a été renouvelé.  De fait, en 2003, la revue française Nouvel Observateur a dédié un numéro spécial à Karl Marx, salué comme le penseur du troisième millénaire.Une année après en Allemagne, dans une enquête organisée par la chaîne de télévision  ZDF pour établir la liste des allemands les plus importants de tous les temps, plus de 500.000 spectateurs ont voté pour Karl Marx, qui a a obtenu la troisième place dans la classification générale et la première dans la catégorie de « l’importance actuelle” En 2005, l’hebdomadaire Der Spiegel lui a dédicacé une couverture avec le titre  Ein Gespenst Kehrt zurük (Un spectre est de retour). A la même époque les auditeurs du programme In Our Time de Radio 4 de la BBC ont voté pour Marx comme le plus grand philosophe.
Dans une conversation récemment publiée avec Jacques Attali, vous avez dit que paradoxalement « ce sont les capitaliste, plus que les autres, qui sont en train de rédécouvrir Marx » et vous avez parlé de votre éronnement, quand l’homme d’affaire et politicien libéral, George Soros, vous a dit   « je suis en train de lire Marx et il y a beaucoup de choses intéressantes  dans ce qu’il dit ». Bien qu’elles  soient faibles et bien vagues ? quelles sont les raisons de cette renaissance ? Est-il possible que son oeuvre soit intéressant seulement pour les spécialistes et les intellectuels pour être présenté dans des cours universitaires comme un grand classique de la pensée moderne qui ne devrait pas être oublié ? ou : pourrait-il exister  également, une nouvelle” Demande de Marx “dans l’avenir du côté politique

Eric Hobsbawm.Il y a indubitablement une renaissance de l’intérêt public pour Marx dans le monde capitaliste, néanmoins probablement pas encore chez les nouveaux membres de l’Union Européenne de l’Europe de l’Est. Cette renaissance  a été probablement accéléré par le fait que le150 e anniversaire de la publication du Manifeste du Parti communiste a coïncidé avec une crise économique internationale particulièrement dramatique au milieu d’une période de globalisation ultra-rapide du  libre marché.
Marx a prévu la nature de l’économie mondiale du commencement du XXIe siècle, sur la base de son analyse de la “société bourgeoise”, avec cent cinquante ans d’avance. Il n’est pas surprenant que les capitalistes intelligents, spécialement dans le secteur financier globalisé, aient été impressionnés par Marx, puisqu’ils ont nécessairement été plus concients que les autres de la nature et de  l’instabilité de l’économie capitaliste dans laquelle ils opéraient. La majorité de la gauche intellectuelle en revanche ne savaient que faire avec Marx. Elle était démoralisée par l’effondrement du projet social-démocrate dans la majorité des Etats Atlantiques du Nord dans les années quatre vingt et la conversion massive des gouvernements nationaux à l’idéologie du libre marché ainsi que l’effondrement des systèmes politiques et économiques qui affirmaient s’être inspirés par Marx et lénine. Ceux que l’on a appelés les “nouveaux mouvements sociaux” comme le féminisme, n’ont pas non plus eu de connexion logique avec l’anti-capitalisme (bien que comme individus ses membres pussent être aliénés par lui) ou ils ont contesté la croyance en progrès sans fin du contrôle humain sur la nature que capitalisme et le socialisme traditionnel avaient partagée. En même temps, un “prolétariat”, divisé et handicapé, a cessé d’être crédible comme  agent historique de la transformation sociale de Marx.. C’est aussi le fait que dès 1968, des mouvements les plus en vue radicaux ont préféré l’action directe non nécessairement basée sur beaucoup de lectures et analyses théoriques. Un pause ne signifie pas que Marx cessait d’être considéré comme un grand penseur classique, bien que pour des raisons politiques, spécialement dans des pays comme la France et l’Italie où jadis il y a eu des Partis communistes puissants il y ait eu une offensive intellectuelle passionnée contre Marx et les analyses marxistes, qui probablement a connu son plus haut niveau dans les années quatre vingt et quatre vingt dix.   Il y a des signes que maintenant l’eau remonte à son étiage.

2) M. M. Tout au long de sa vie, Marx a été un subtil et infatigablechercheur, qui a perçu et a analysé mieux que tout  autre dans son temps, le développement du capitalisme à une échelle mondiale. Il a compris que la naissance d’une économie internationale globalisée était inhérente au mode capitaliste de production et a prédit que ce processus engendrerait non seulement la croissance et la prospérité vantées par des libéraux théoriques et politiques mais ausside violents conflits, des crises économiques et de l’injustice sociale généralisée.   Dans l’ultime décade nous avons vu la crise financière de l’est asiatique, qui a commencé durant l’été 1997, lacrise économique argentine de 1999-2002 et surtout la crise des subprimes qui a commencé aux etats-unis en 2006 et maintenant est devenue la plus grande crise financière de la post-guerre. Est-il correct alors de dire que le retour en force de l’intérêt pour marx est basé sur la crise de la société capitaliste et sur sa capacité toujours vivante d’expliquer les contradictions du monde actuel ?

E. H. Savoir si la politique de la gauche dans l’avenir sera inspirée encore une fois par les analyses de Marx, comme cela a été le cas pour les vieux mouvements socialistes et communistes,  cela dépendra de ce qui se passera dans le monde capitaliste. Mais cela implique non seulement Marx mais la gauche si elle a un projet et une idéologie politique cohérente. Puisque, comme vous le dites correctement, la récupération de l’intérêt pour Marx est considérablement - je dirais, principalement- basée sur l’actuelle crise de la société capitaliste la perspective est plus prometteuse que ce qu’elle fut dans les années quatre vingt dix. L’actuelle crise financière mondiale qui peut bien devenir la plus grande dépression économique aux États-Unis a dramatise l’échec de la théologie du marché libre global incontrôlé et oblige, le Gouvernement nord-américain, à considérer y compris choisir de promouvoir  des actions publiques oubliées depuis les années  trente. Les pressions politiques affaiblissent déjà l’engagement des gouvernements neoliberales dans une globalisation incontrôlée, illimitée, dérégulée. Dans certains cas (la Chine) les vastes inégalités et les injustices causées par une transition générale à une économie de libre marché, entraîne déjà des problèmes importants pour la stabilité sociale et des doutes y compris au plus hauts niveaux du gouvernement..

Il est clair que tout « retour à Marx » sera essentiellementun retour à l’analyse de Marx du capitalisme et  et sa place dans l’évolution historique de l’humanité – y compris surtout, ses analyses de l’instabilité centrale de son développement.

3) M. M. Vous ne pensez pas que si les forces politiques et intellectuelles de la gauche internationale, qui se questionnent ici mêmes au sujet du socialisme dans le nouveau siècle , si elles renonçaient aux idées de Marx : ne perdraient-elles pas un guide fondamental pour l’examen et la transformation de la réalité actuelle ?

E. H. Aucun socialiste ne peut renoncer aux idées de Marx, alors que sa croyance dans le fait  que le capitalisme doit être remplacé par une autre forme de société est basée, non dans l’espérance ou la volonté mais dans une analyse sérieuse du développement capitaliste qui procède a travers des crises économiques auto-générées avec des dimensions politiques et sociales. Aucun marxiste ne pourrait croire ne fut-ce qu’un instant que, comme les idéologues neoliberaux l’ont affirmé en 1989, que le capitalisme libéral s’était établi pour toujours, que l’histoire avait une fin ou, en effet, que n’importe quel système de relations humaines pourrait être pour toujours, final et définitif.

Sa prédiction réelle que le capitalisme serait remplacé par un système administré ou planifié socialement semble encore raisonnable, bien qu’il ait certainement sous-estimé les éléments du marché qui survivront dans un système (s) post-capitaliste. Puisqu’il s’est délibérément abstenu de spéculer à propos de l’avenir, il ne peut pas être rendu responsable des formes spécifiques dans lesquelles les économies “socialistes” ont été organisées sous « le socialisme réel » En ce qui concerne les objectifs du socialisme , Marx ne fut pas l’unique penseur qui cherchait une société sans exploitation et aliénation, dans laquelle les êtres humains pourraient réaliser pleinement leurs potentialités, mais ce fut lui qui l’exprima avec   force plus grande que tout les autres, et ses mots continuent à nous inspirer par leur puissance..
Cependant, Marx ne reviendra pas une inspiration politique pour la gauche tant qu’il ne sera pas entendu que ses écrits ne doivent pas être traités comme programmes politiques, d’autorité, ou autrement, ni comme la description d’une situation réelle du monde capitaliste d’aujourd’hui, mais plutôt, comme un guide dans la manière de le comprendre la nature du développement capitaliste.

Nous ne pouvons pas non plus ou nous ne devons pas oublier qu’il n’a pas joui d’une présentation bien exprimée, cohérente et complète de ses idées, malgré les tentatives d’Engels et  d’autres de construire les manuscrits de Marx, du volume  II et IIIe du Capital. Comme les Grundrisse le montrent.  le Capital même complet aurait seulement comporté une partie du propre plan original de Marx, peut-être excessivement ambitieux.
D’un autre côté, Marx ne reviendra pas à la gauche tant que l’actuelle tendance des activistes radicaux de changer l’anticapitalisme en un anti- globalisme ne sera pas abandonnée. La globalisation existe et, sauf un effondrement général de la sociétéhumaine,  elle est irréversible. En effet, Marx l’a reconnu comme un fait et. comme un internationaliste, ill’a accueilli favorablement, théoriquement. Ce qu’il a critiqué et ce que nous devons critiquer est le type de globalization produit par le capitalisme.

4) M. M. Un des écrits de Marx qui suscite le plus grand intérêtparmi les nouveaux lecteurs et commentateurs sont les Grundrisse. Ecrits entre 1857 et 1858, les Grundrisse sont  le premier brouillon de la critique de l’économie politique de Marx et, donc, aussi le travail initial préparatoire du Capital; le livre contient de nombreuses réflexions sur les sujets que Marx n’a pas développés dans aucune autre partie de sa création inachevée. Pourquoi, selon votre opinion, ces manuscrits de l’oeuvre de Marx, continuent-ils à de provoquer plus débat que n’importe lequel autre, malgré le fait qu’il les a seulement écrits pour résumer les fondements de sa critque de l’économie politique ? Quel est la raison de cet intérêt persistant ?

E. H.  De mon point de vue, les Grundrisse  ont eu un impact international d’une telle importance dans les milieux marxistes intellectuels pour deux raisons liées. Ils sont restés non publiés virtuellement avant les années cinquante et, comme vous le dites, en contenant une masse de réflexions sur des sujets que Marx n’a  pas développés dans aucune autre partie. Ce n’a pas été une partie  largement dogmatisée du corpus du marxisme orthodoxe dans le monde du socialisme soviétique, il en résulte que le socialisme soviétique ne pouvait pas les jeter simplement. Ils n’ont pu être utilisés, donc, par les marxistes qui voulaient critiquer d’une manière orthodoxe ou amplifier la portée de l’analyse marxiste au moyen d’une référence à un texte qui ne pourrait pas être accusé d’être hérétique ou anti-marxiste. C’est pourquoi, les éditions des années soixante-dix et des années quatre-vingts avant la chute du Mur de Berlin, ont continué de provoquer un débat, fondamentalement parce que dans ces manuscrits Marx envisage des problèmes importants qui n’ont pas été reportés dans le Capital, comme par exemple, les questions relevées dans ma préface du volume des essais que vous avez collectés (Karl Marx’s Grundrisse. Foundations of the Critique of Political Economy 150 Years Later, editado por M. Musto, Londres-Nueva York, Routledge, 2008).

5) M. M. Dans la préface de ce livre, écrit par quelques experts internationaux, pour commémorer  le 150 anniversaire depuis sa composition, vous avez écrit : “Peut-être que c’est le moment opportun pour revenir à l’étude des Grundrisse nous sommes moins contraints par les considérations temporelles des politiques de gauche entre la dénonciation de Nikita Khrushchev de Stalin et la chute de Mikhail Gorbachev”. De plus, pour souligner l’énorme valeur de ce texte, vous établissez que les Grundrisse “contiennent une analyse et la compréhension, par exemple, de la technologie qui montre que Marx traite du capitalisme plus avant qu’au XIX e siècle alors que la production ne requiert pas encore de main d’oeuvre massive, d’automisation, de potentiel du temps libre et  des transformations de l’aliénation dans de telles circonstances. C’est un texte unique qui va, d’une manière, au-delà des propres indices de Marx de l’avenir communiste dans  l’Idéologie allemande .  En peu de mots, il a correctement décrit la pensée de Marx dans toute sa richesse. C’est  cause de cela que l’on peut s’interroger: quel pourra être le résultat de la re-lecture des Grundrisse aujourd’hui ?

E. H. Il n’y a probablement plus qu’une poignée d’éditeurs et de traducteurs qui ont une pleine connaissance de ce contexte et  d’une notoirement difficile masse de textes. Mais un re-re-lecture ou plustôt aujourd’hui une lecture de ceux-ci peut nous aider à repenser Marx : à distinguer le général dans l’analyse du capitalisme de Marc de ce qui fut le spécifique de la situation de “la société bourgeoise” au milieu du XIX e siècle. Nous ne pouvons pas prédire quelles conclusions de cette analyse ont peut tirer et probablement seulement qu’ils n’entraîneront pas l’unanimité.

6) Un M. M. Pour terminer une question finale : pourquoi est-il important de lire aujourd’hui Marx ?
E. H.  Pour quiconque est intéressé par les idées, qu’il soit un étudiant universitaire ou non, il est manifeste que Marx est et restera comme l’un des grands esprits philosophiques et des analystes économiques du dix neuvième siècle et, au plus haut de son expresion, un maître dans une prose passionnée.  Il est également important de lire Marx parce que le monde dans lequel nous vivons, ne peut être compris sans l’influence que les écrits de cet homme eut sur le XX e siècle. Et finalement, il devra être lu parce que comme il l’a écrit lui-même, le monde ne pourra être changé de manière effective à moins qu’il soit compris, et Marx reste un superbe guide pour la compréhension du monde et les problèmes auquels nous devons faire face.

Eric Hobsbawm est le doyen  de l’ historiographie marxiste británnique Un de ses derniers livres est un volume de mémoire autobiographique  : Años interesantes, Barcelona, Critica, 2003.

الأزمة العالمية العظمى للرأسمالية.. لا مخرج منها!

  الأزمة العالمية العظمى للرأسمالية.. لا مخرج منها!

 

أجرت هيئة تحرير صحيفة «قاسيون» حواراً مطولاً مع الرفيق د.قدري جميل حول الأزمة المالية العالمية الكبرى التي تمر بها الرأسمالية، بصفته باحثاً وخبيراً اقتصادياً، وسألته عن جذورها وأسبابها وتداعياتها وانعكساتها ومآلها، كونه من أوائل الذين استشرفوها وتوقعوا حدوثها..

ونظراً لأهمية الموضوع، ونزوع الإجابات إلى الشمولية والشرح العميق الواضح والمبسط، مع محافظته على الرصانة والعلمية، فقد ارتأينا في أسرة التحرير إعطاءه حيزاً واسعاً..

يقول د. جميل في مستهل الحوار:

لابد بدايةً، من وضع اليد على الجذور الحقيقية للأزمة المالية العظمى التي وقع النظام الرأسمالي العالمي في قبضتها، إذ لا يمكن فهم جذور هذه الأزمة إلا بالعودة إلى التاريخ، لأن جذور هذه الأزمة تكمن في طبيعة النظام الرأسمالي وتطوره التاريخي بنسخته الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية التي جرى بعدها تطور هام، تمثل في اتفاقية بريتون وودز 1944، فقبل ذلك الحين كانت جميع العملات التي تمثل الاقتصادات الرأسمالية القوية في البلدان المركزية عملات محلية، ومعادلها الذهب وفقاً لاتفاق دولي، أي أن كل عملة ورقية لها مضمون ذهبي، أما في اتفاقية بريتون وودز ،1944 فحدث أمر خطير لم تظهر تداعياته فوراً، بل تم ذلك بعد عدة عقود، وتجلى في عدم اعتماد الذهب كمعادل وحيد للعملات المحلية، بل تم الاتفاق على أن يكون المعادل هو الذهب والدولار الأمريكي معاً، أي تم إعطاء الدولار الحق في لعب دور المعادل بين العملات، وقد كان هذا الأمر في حينه طبيعياً، لأن الولايات المتحدة الأمريكية خرجت من الحرب العالمية الثانية دون خسائر تذكر، فالقوى العاملة الأمريكية لم تتأثر بالحرب العالمية الثانية كما تأثرت القوى العاملة في الدول الأخرى التي خاضت الحرب على أرضها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نشطت الصناعة الأمريكية جداً خلال الحرب العالمية الثانية خاصةً في صناعة التسليح، فأصبحت الولايات المتحدة من خلالها صاحبة الرقم واحد في الوزن الاقتصادي الفعلي الحقيقي في مسرح الإنتاج العالمي، حيث مثلت أمريكا منذ ذلك الحين 30 % من هذا الإنتاج، وكان وضع الدولار مقياساً لتبادل العملات إلى جانب الذهب في ذلك الوقت منطقياً وطبيعياً.

ماذا تغير وأين المفارقة؟!

وهكذا، وضمن هذه الخارطة، تحول الدولار من عملة محلية إلى عملة عالمية، ولكن لم يعف الدولار من تغطية نفسه بالذهب حينها، ولم يسمح له بالتملص من هذه التغطية، وكان ذلك أمراً بديهياً، ولكن حينها لم يكن هناك وسيلة لقياس حجم الإصدار النقدي الدولاري للعالم الخارجي. صحيح أنه كان بالإمكان ضبط الإصدار الدولاري الداخلي، إلا أن تغطية الدولار الورقي عالمياً لم تكن ممكنة، وذلك عائد لنشوء عدة عوامل موضوعية منها:

ـ تطور السوق العالمية.

ـ تطور خطوط الاتصال.

ـ تطور التبادلات.

وكل هذا يحتاج إلى وحدة قياس لم تكن متوفرة، ولم يكن هناك أية عملة إقليمية من هذا النوع، بل كانت جميعها محلية بما في ذلك الدولار الذي أخذ موقع عملة عالمية بشكل فجائي، وأمام انعدام القدرة على قياس وضبط حجم الدولار المطلوب للتداول العالمي، سمح ذلك لآلة طباعة الدولار الأمريكية أن تبدأ بالعمل دون تغطية ذهبية أحياناً، الأمر الذي انتبه إليه منافسو الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات.

ما معنى أن يصدر الدولار دون تغطية ذهبية؟

إن إصدار الدولار دون تغطية ذهبية، يعني أنه أصبح فعلياً دولاراً (إسمياً)، أي لا يملك من القيمة حقيقةً سوى قيمة الورق المطبوع عليه، لكن يمكن الحصول مقابل قيمته الاسمية على منتج، فأدى ذلك إلى وضع الأمريكيين في موقع متميز ومتقدم بالنسبة لمنافسيهم في النظام الرأسمالي العالمي نفسه، لذلك احتج الفرنسيون ممثلين بالجنرال ديغول في أواخر الستينيات على ذلك، وطلبوا استبدال كل الدولارات الموجودة في البنوك الفرنسية بالذهب، فاضطر الأمريكيون في ذلك الحين أن يلبوا هذا الطلب لأنهم ملزمون بما وقعوه من اتفاقات دولية، ولكنهم قاموا بحل إبداعي وعلى الطريقة الهوليودية تجاه الخطوة الفرنسية، فانتقموا من ديغول وألغوا اتفاق برتن وودز عام 1972، أي فكوا ارتباط الدولار وكل العملات الأخرى عن الذهب. وحين جرى هذا الفك عن الذهب مع بقاء الدولار عملة عالمية، وخاصةً أنهم ضمنوا تسعير النفط بالدولار (النفط تحول إلى معادل عالمي للدولار أكثر من الذهب)، بدأت آلة طباعة الدولار الأمريكي بالعمل بشكل أسرع ما أدى إلى زيادة الكتلة الدولارية الورقية الموجودة في العالم، ولكن الأسواق كانت حينها قادرة على امتصاص هذه الكتلة الورقية المالي الكبيرة التي كانت تدور في الفضاء العالمي، وكانت القدرة الأمريكية العسكرية والسياسية قادرة على حماية الدولار الورقي الذي يعكس عملياً القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ولكن شيئاً فشيئاً تغير الوزن النوعي العالمي للاقتصاد الأمريكي في نهاية القرن العشرين حيث هبط حجم الناتج الأمريكي من الناتج العالمي من 30 % إلى 18 % واحتلت أوربا المكان رقم واحد في الاقتصاد العالمي بشكل فعلي، وأصبحت اقتصادات أوربا مجتمعة تشكل 27 % من الناتج العالمي.

هل تنبه الأمريكيون إلى المشكلة قبل وقوعها؟

الاعتقاد راسخ بأن الأمريكيين تنبهوا للمشكلة باكراً، لأنهم أصدروا من الدولارات كمية تفوق حاجة السوق من الكتلة النقدية.

ما حاجة السوق من الكتلة النقدية؟

إن المعادلة بسيطة، وهي تقول إن أية كتلة نقدية في التداول يجب أن تساوي كتلة البضائع المنتجة خلال فترة محددة تقسيماً على سرعة دوران النقد خلال الفترة نفسها، وعادة ما تكون الفترة الزمنية سنة واحدة، ولنأخذ الإنتاج العالمي الذي يقدر حسب الأرقام المنشورة اليوم بـ 60 ترليون دولار، لكن طريقة الحساب تدفعنا إلى القول إن هناك حساباً مكرراً وهناك تضخيم للإنتاج العالمي وبناءً عليه فإن هذا الإنتاج قد يكون بحدود 40 ترليون، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس كل الإنتاج العالمي يتم تبادله بالدولار، وهنا لابد من القول إن نصف هذا الإنتاج يجري تبادله بالدولار، وإذا اعتبرنا أن الإنتاج العالمي الذي يخدمه الدولار هو 20 ترليون فمن الأكيد أن سرعة دوران النقد هي أعلى من واحد، وإذا كانت كذلك فإن المعادلة تحتم أن تكون كتلة النقد في التداول أقل من كتلة البضائع المنتجة خلال الفترة الزمنية المحددة، وإذا كان لدينا 20 ترليون دولار من الإنتاج الحقيقي فيجب أن يكون لدينا أقل من 20 ترليون دولار للتخديم، لكن الأرقام تقول بأنه منذ 1995 فاقت الكتلة الدولارية المطروحة للتداول 300 ترليون، والأرقام الجديدة اليوم فجرت مفاجأة هائلة حين أكدت أن الكتلة الدولارية بلغت حدود 700 ترليون، في حين يجب أن تكون الكتلة النقدية أقل من واحد أي أقل من 20 ترليون، أي لدينا 35 ضعفاً مما هو مطلوب من حجم الكتلة النقدية الدولارية الدائرة في العالم اليوم.

كيف تفجرت الأزمة؟

لقد تبين أن حجم القيمة العقارية في أمريكا تبلغ 50 ترليون دولار وأن القروض العقارية بلغت 150 ترليون، أي أن الجهة المقرضة أعطت المقترضين أموالاً أكثر من القيمة الحقيقية التي تمثلها عقاراتهم بغية امتصاص الفائض الدولاري الموجود في السوق العالمية لمصلحة المستهلك الأمريكي مؤقتاً، لكن هذا المقترض نتيجة هبوط قيمة النقد لم يعد يستطيع تسديد القرض الذي ارتفعت فوائده مع انخفاض القدرة الشرائية الحقيقية لصاحب القرض، خاصةً وأن أجره ثابت نسبياً، فما كان من الجهات المقرضة إلا أن استولت على العقار، أي أنها بقيت بدون سيولة لأن أموالها تحولت إلى عقارات ما اضطر الكثير منها إلى إعلان الإفلاس، فقامت الحكومة الفدرالية بإعطاء هذه الجهات أموالاً لتبعد عنها شبح إعلان الإفلاس، والأموال التي ضختها الحكومة في البنوك لا تحل الأزمة بل تعقدها ما وجه أنظار الحكومة ومن ورائها المصارف إلى الأموال الحقيقية المتعلقة بسوق الإنتاج والاستهلاك، وقد وصلت الأزمة الآن إلى جيوب دافعي الضرائب، لذلك لا يوجد مخرج من الانهيار، لأن حجم الكتلة الدولارية المطروحة شهد مبالغة كبيرة. وسيتم دفع الفارق من المستوى المعاشي والاجتماعي للشعب الأمريكي.

متى أصبح الأمر يشكل خطراً على النظام المالي العالمي؟

هذا الأمر لم يكن مكشوفاً، ولم يكن مصدراً للخطر عندما كانت عملات العالم محلية، ولكن مع ظهور العملات الإقليمية الذي بدأ عملياً في القرن 21 حين ظهر اليورو في 1/1/2002 بكامل حجمه، ومن المعروف أن أكبر مساحة كان يدور بها الدولار هي أوربا والثانية روسيا والفضاء السوفييتي السابق، حينها انكفأ الدولار عن المساحات المذكورة عند انتعاش اقتصاداتها فانكشفت كميات هائلة من الدولار تدور حول العالم وهو عامل اقتصادي نوعي عالمي، ومن جهة أخرى يبرز شيء ثان، حيث يقول اقتصاديون عالميون إن الأمريكيين استطاعوا بأدواتهم ولاسيما البورصة خرق القانون الموضوعي القائل بالتناسب بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية بحيث استطاعوا الوصول إلى نسبة 1/25 كتلة سلعية مقابل كتلة نقدية، ونظام البورصة العالمي الذي نراه اليوم لم يكن تاريخياً بهذا الشكل، حيث تكون الشكل الحالي للبورصة عام 1995 حين حوت البورصة مبادلات تعكس حجم مضاربة واسع جداً، وكان 90 % من مبادلاتها عبارة عن مضاربات مالية، وكانت البورصة قبل ذلك 90 % مبادلات حقيقية و10 % مضاربات مالية، وهذا التحول الذي شهدته البورصة مكنها من امتصاص جزء كبير من الكتلة النقدية الدائرة حول العالم، وإذا كان الناتج العالمي 40 ترليوناً، فإن الذي يدور في البورصات هو كتلة نقدية تعادل 1.5 ترليون دولار يومياً أي حوالي 500 ترليون سنوياً، وبما أن ضخ النقد لا يوقف هذا العملية وهذا الضخ هو عملياً طريقة لإعادة توزيع الثروة لمصلحة الأغنياء والشركات الكبرى، فهذه الكتلة/الفقاعة ستنفجر عند لحظة معينة، وإذا كان الحديث منذ ستة شهور يدور حول زوال إمكانية إيقاف انفجار الفقاعة المالية بمجرد تجاوزها نسبة 1/25، فالحقيقة أنه قد تم تجاوز هذه النسبة منذ فترة، وكل ما يظهر على السطح الآن ما هو إلاّ تداعيات الانفجار، وقد كانت المؤسسات الأمريكية الرأسمالية الكبرى واعية لحجم هذا الخطر واستطاعت أن تحتوي الأزمة عبر البورصة بين 1995 و2000، وكان الخروج إلى الحرب ضد الإرهاب عام 2001 مجرد ضربة استباقية للأزمة الاقتصادية التي نرى تداعياتها اليوم.

هل يعني ذلك أن نسبة 1/25 بدأت بالتمزق في 2001؟

نعم بالضرورة، لأنه منذ البداية يجب أن تكون كتلة النقد أقل من حجم السلع، وقد كانت النسبة قريبة أو متجاوزة لهذه النسبة، ولذلك كان الخطر جاثماً وازداد الخطر مع ظهور العملات الإقليمية التي أدت إلى كشف الكميات الفائضة من الدولار، وكان الحل هو السيطرة على كل موارد الكرة الأرضية لإنقاذ الدولار وضمان تسعير النفط بالدولار، فالسيطرة على الموارد تهدف بالدرجة الأولى إلى ضمان تسعير النفط بالدولار ثم السيطرة على حجم نفط معين لضخه في شريانات الاقتصاد الأمريكي الذي أصيب بمرض عضوي، والسيطرة على النفط تساعد الأمريكيين على رفع سعره في الأسواق العالمية بما يؤدي إلى تباطؤ الأسواق المنافسة خاصةً الأوربية والصينية.

لماذا لم تحقق الحملة العسكرية أهدافها؟

الذي حصل هو أن الحملة العسكرية كان عليها أن تحقق هدفها بالاستيلاء على مصادر النفط عام 2008 لأن الإدارة الرأسمالية كانت على يقين بأن الانفجار آت في هذا العام، لكن آجال هذه الحملة العسكرية لم تتحقق ولذلك بدأت الأزمة الاقتصادية قبل أن تحقق الحملة العسكرية أهدافها ودخل الأمريكيين في حالة لا يحسدون عليها من التخبط بين احتواء آثار الأزمة الاقتصادية وعدم إمكانيتهم حلها بالشكل العسكري الذي كانوا يريدونه سابقاً.

في ظل نظام قائم فعلياً على التبادل البضاعي النقدي، هل الأزمة الحالية في عمقها هي أزمة معادل سلعي، وما المخرج من أزمة المعادل؟

نعم إنها أزمة معادل حقيقية، وإذا عدنا إلى التاريخ فإن المعادل عادةً ما كان حيادياً ولم يكن سلعةً، وقد بدأ تاريخ المعادل باستخدام الملح قبل أن يتم الانتقال إلى الذهب الذي كان يلعب دور معادل أكثر من دور السلعة، إلا أن مشكلة الدولار كمعادل تكمن في أنه تحول إلى سلعة في نفسه، وأنه ليس معادلاً حيادياً لأنه مملوك من إحدى الجهات، ولذلك فقد ساهم الدولار بإعادة توزيع الثروة عالمياً وبشكل فاضح جداً، ولم يعد الدولار يملك الحق بأن يلعب دور المعادل ونحن نشهد الآن إرهاصات انتهاء دوره كمعادل، كما لا يمكن الرجوع إلى الذهب كمعادل لأن احتياطاته المنجمية شهدت تراجعاً كبيراً، ومن شروط المعادل أن يحافظ على استقرار في قيمته وقيمة الذهب تتغير باستمرار بغض النظر عن سعره. وفي غضون ذلك كان الأمريكيون يستخدمون النفط كمعادل للدولار إلا أن النفط يعتبر مادةً استراتيجية تقتضي الاستيلاء عليها بشكل كامل لإتمام العملية، والأمريكيون لم يستطيعوا فرض نفوذهم على مصادر النفط العالمية كلها وهذا سبب لهم مشكلة. ويجري اليوم حديث جدي بضرورة البحث عن معادل موضوعي وحقيقي للتبادل السلعي العالمي، وهناك اقتراحات عديدة ومنها اقتراح (ليندون لاروش) أن على الناس اختيار عملة عالمية ثابتة وإعطاءها محتوى محدداً بحيث يملكها الجميع بحسب وزنه في الاقتصاد العالمي ويجري التداول على أساسها ولا يملك أي بلد حق إصدارها بل يتولى ذلك مؤسسة دولية وفق اتفاق دولي يحافظ على شروط التبادل المتكافئ، إلا أن هذا الاقتراح في ظل التوازنات الحالية صعب التحقيق. وهناك اقتراح قدمه علماء روس بأن أحسن معادل ممكن استخدامه ويعكس قوة أي بلد هو الكيلوواط الساعي، فجميع أشكال الطاقة يمكن إرجاعها إلى الكيلوواط الساعي لاسيما وأن أسعار إنتاج الكيلوواط الساعي بمختلف أشكالها اليوم تتقارب فيما بينها بسبب أزمة النفط وبدء استخدام الطاقة الشمسية، وبذلك فإنه من الممكن حسب الروس استخدام الكيلوواط الساعي كمقياس للإنتاج وبالتالي كمعادل عالمي.

ما هو مدلول انهيار المعادل حالياً؟

إن مدلول الانهيار عميق وبسيط في آن واحد، وإذا عدنا اليوم إلى وسائل الإعلام الغربية بعد حلول الأزمة فإن جوهر الكثير من المقالات والتحليلات يقول «ماركس يبعث حياً»، إذ أن جميع الحقائق البسيطة القديمة التي قال بها ماركس عادت الحياة لتؤكدها من جديد، حيث أكد ماركس على ضرورة إلغاء النقد كمعادل وضرورة الانتقال إلى التبادل من نقدي/بضاعي إلى بضاعي/بضاعي وبالتالي إيجاد بضاعة تكون هي معيار التبادل وليس النقد، لأن النقد قد يراوغ في عمليات التبادل ليساهم في إعادة توزيع الثروة وتمركزها، وبكلمة أخرى؛ إن أحد مؤشرات النظام الاشتراكي المتطور عند ماركس هي إلغاء دور النقد ونحن موضوعياً نسير في هذا الاتجاه، حيث نشهد أزمة معادل حقيقية لا حل لها، وصحيح أن المعادل شهد أحياناً في التاريخ بعض المراوغات لكن ليس بالصورة التي نشهدها في أيامنا هذه، فورقة المئة دولار التي تحمل قيمة 10000 عشرة آلاف سنت يكلف إنتاجها (طباعتها) 4 سنت، أي أن سنتاً واحداً يربح 2500 سنتاً، وحين قال ماركس إن الرأسمالية ترتكب جميع الجرائم حين تصل نسبة ربحها إلى 300 % لم يكن يتخيل وصول هذه النسبة إلى 250000 % مئتان وخمسين ألفاً بالمئة وهي نسبة ربح الدولار كبضاعة!! وبالتالي لم يعد الدولار يملك الحق بالبقاء معادلاً عالمياً للإنتاج البضاعي.

ما عمق المشكلة وما الحل؟

عملية إعادة الإنتاج بالمعنى الواسع هي ثلاث حلقات؛ إنتاج ــ تبادل وتوزيع ــ واستهلاك، وبما أن الحلقة الأساسية التي يعتمد عليها النظام الرأسمالي هي حلقة التبادل فقد جرى ضخ كميات هائلة من الدولارات في المؤسسات المالية والرهن العقاري والمؤسسات غير المنتجة، فانفجرت الفقاعة في الحلقة الوسطى من عملية إعادة الإنتاج أي في التبادل، ونحن نرى الآن بداية الأزمة بشكلها المالي وهي بطريقها إلى العصب الحقيقي للاقتصاد الذي هو الإنتاج، بدأت بالرهن العقاري، وانتقلت للمصارف، وتنتقل الآن إلى شركات التأمين التي تمثل خط الوصل مع الإنتاج وتخديمه، وهي على بعد خطوة واحدة لوصولها إلى الإنتاج، وإذا انهار النظام المصرفي، مع علمنا أن الاقتصاد كلٌّ متشابك ومترابط، فكيف ستقوم المؤسسات الإنتاجية والصناعية بتخديم نفسها مالياً؟!

بالتأكيد لن تستطيع، لأن الأزمة المالية حينها ستصبح أزمة في الإنتاج وقد تصل إلى حالة كارثية. وحل الأزمة الحالية يكمن في إيقاف المصاريف العسكرية وضخ المال في القطاع الإنتاجي السلعي وتخفيض الكتلة النقدية، لكن القائمين على النظام المتهاوي يقومون بغير ذلك! فما زالت المصاريف العسكرية ضخمة ومشاريع الحرب ما تزال قائمة إلى جانب استمرار طباعة العملة والضخ المالي يتم فقط باتجاه قطاع التبادل المالي وحده! وأصبح لدينا مثال واضح على سوء إدارة الأزمة، فحين أعلنت الحكومة الأمريكية حلولها الإنقاذية واتخذت البنوك الأوربية إجراءات إنقاذية واستخدمت مليارات اليوروات لشراء كميات هائلة من الدولارات من الأسواق فتحسن وضع الدولار تجاه اليورو بحيث هبط إلى 1.41 خلال أسبوع واحد، وفي يومين فقط عاد الدولار ليصبح 1.46 تجاه اليورو.

هل الأزمة مضادة للاستطباب؟

إنهم يعالجون العوارض متجاهلين الجذر، وبمجرد انتهاء مفعول العلاج المؤقت تعود المشكلة للتفاقم أكثر فأكثر، ومثالاً على ذلك مداواة شخص مجروح وجرحه ينزف ومن الطبيعي أن يكون الحل بقطب جرحه لكن المعالجة التي يقوم بها أطباء الرأسمالية حالياً هي ضخ المزيد من الدماء! وقد وصلت الأزمة إلى نقطة خطيرة خاصةً أنهم بدؤوا يتكلمون عن نضوب الموارد باستثناء أموال دافعي الضرائب، وهذا يعني الأموال الحقيقية التي لها علاقة مباشرة بالإنتاج والاستهلاك أي أن ما سيجري هو قص مباشر للمستوى المعاشي والعمليات الإنتاجية.

بماذا تختلف هذه الأزمة عن سابقاتها؟

صحيح أن الأزمات السابقة لم يكن حجمها إقليمياً بمعنى الكلمة لأنها كانت تنتشر إلى حد ما، إلا أن مركزها كان دائماً إقليمياً، أما الأزمة الحالية فلا يمكن القول أبداً إن مركز الأزمة إقليمي بل هي اليوم عملياً أزمة عالمية، إذ سرعان ما امتدت الأزمة لتطال الاقتصاد الأوربي والآسيوي ثم الخليجي..الخ، ومن هنا فتفاعل الأزمة يمكن تسميته بالتفاعل الشلالي (الدومينو).

هل من حل للأزمة الحالية؟

لا يوجد اعتقاد بأن هناك قدرة على حلها بالمنطق الرأسمالي، لأن الحلول المطروحة هي حلول مالية، وهي غير مجدية لحل الأزمة والمشكلة إذاً بنيوية ذات علاقة بطبيعة النظام الرأسمالي نفسه، فحجم تناقضاته وصل إلى الحد الأقصى وهذه التناقضات تمنع حل المشكلة إلاّ بتغيير الطبيعة الطفيلية الريعية النقدية لهذا النظام، وتغييرها يتطلب عملياً تغيير البنية، أي تغيير النظام نفسه. وحتى بعد ستة ِأشهر وربما سنة سيظهر أن كل الحلول التي يقومون بها لن تغير شيء من الأزمة وقد تخفضها مؤقتاً لتعود بعد ذلك أقوى مما سبق وهكذا.. وسنعيش حالة من المد والجذر في درجة ارتفاع حرارة الاقتصاد العالمي وبلحظة معينة ستصل الحرارة إلى نقطة لا يمكن العودة عنها وستشهد المنظومة الرأسمالية انهياراً شاملاً من أولها إلى آخرها..

هل سيأخذ هذا الانهيار شكلاً اجتماعياً/ اقتصادياً؟

بالتأكيد.. لأن هذا الانهيار ليس اقتصادياً بحتاً، لأنه عملياً حين تتخذ خطوات مالية كبيرة لتصحيح مسار قضية اقتصادية كبيرة، فإن ذلك سيؤثر اجتماعياً بشكل حتمي، خاصةً أن أموال دافعي الضرائب ستذهب لإنقاذ الشركات التي تخص عدداً معيناً من الأفراد، وهذا الموضوع بنهاية المطاف سيؤدي إلى تخفيض شديد في مستوى المعيشة في مناطق اعتاد مواطنوها على نمط استهلاكي مفرط في الرفاهية ما سيؤدي إلى هزات اجتماعية وبالتالي سياسية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً!!

لطالما هناك خسائر أليس من الطبيعي أن يكون هناك رابحون؟

قولاً واحداً، عندما تنهار مؤسسات بعد خسائر تقدر بالتريليونات فإن هناك أحداً يربح، أي يجري تمركز أعلى لرأس المال، وإذا كنا نسمع اليوم بالمليارديرية فإننا سنسمع عما قريب بـ «الترليونيرية».

هل فقدت القوى الرأسمالية العالمية السيطرة أم أن ما يجري حتى الآن تحت سيطرتها؟

فيما يخص موضوع الدولار وحجم الأزمة وامتدادها، لاشك أنهم فقدوا السيطرة، والكلام عن أن ما يشهده الدولار اليوم هو أحد أشكال التحكم بالأزمة ليس له تفسير واضح، فانهيار الدولار يعني خطراً كبيراً سينعكس انهياراً في مستوى المعيشة داخل الولايات المتحدة، ويمكن القول إن السلام الاجتماعي في الولايات المتحدة تحقق بسبب الدولار القوي، وإذا انهار الدولار فيبقى الحل الوحيد أمام حكام البيت الأبيض هو استخدام القبضة الأمنية لفرض الاستقرار الاجتماعي، ما يتطلب تغيير طبيعة النظام السياسي في أمريكا بالانتقال إلى نظام سياسي جديد فاشي بكل معنى الكلمة لتأمين الاستقرار الاجتماعي للطبقة الحاكمة. والدولار موضوعياً فقد قيمته ودوره العالمي ونحن نشهد اليوم ترجل الدولار عن عرشه العالمي الذي جلس عليه ستين عاماً، وترجل الدولار عن العرش له ثمن كبير في الداخل الأمريكي وفي السيطرة الكونية الأمريكية.

ماذا عن احتمال تفتت الولايات المتحدة الأمريكية؟

عندما كانت الأزمة اقتصادية بحتة كان من الممكن حدوث انهيار اقتصادي يمكن احتواؤه إلى هذا الحد أو ذلك مع فقدان الهيمنة الأمريكية أي الحفاظ على النظام لكن بتغيير دوره العالمي، ولكن مع الخروج إلى الحرب أصبحت المعادلة تقول إنه في حال خسارتهم وعدم تحقيقهم النتائج الإستراتيجية المطلوبة من الحرب فإن الانهيار لن يعود اقتصادياً صرفاً، بل ستتعدد إحداثياته وسيصبح انهياراً اقتصادياً سياسياً اجتماعياً جغرافياً/سياسياً، وقد فقد الأمريكيون الفرصة التاريخية الوحيدة لاتقاء الانهيار الكامل بالمعنى الجغرافي ـ السياسي عندما رفضوا الخضوع لقوانين التاريخ بالبقاء بحجمهم المسموح به لهم من القوانين الموضوعية، فهل يعقل أن يكون وزنهم 18 % من الاقتصاد العالمي ويستمرون في الحصول على 40 % من الناتج لصالحهم بما يجعل وضعهم أفضل من الآخرين بأضعاف؟!

لماذا لا يستطيع حلفاء أمريكا مساعدتها في أزمتها؟

لا يمكنهم مساعدتها، فمثل أمريكا وحلفاؤها/ منافسوها هو مثل متسلقي الجبال الذين يتسلقون جبلاً وعراً فيكون أولهم هو أقواهم ويربط فيما بينهم جميعاً حبل واحد لكي يتساعدوا عند سقوط أحدهم، والمشكلة هنا أن الأول والأقوى هو أمريكا وهي من يسقط ولابد سيتبعها من ارتبطوا معها بالحبل نفسه! فالسوق العالمية واحدة في نهاية المطاف، ويقال بأن أقل الاقتصادات تأثراً بالأزمة هي أقلها اندماجاً بالسوق الرأسمالية العالمية، فلو كان يوجد في سورية سوق للبورصة تعمل كما أسواق الخليج، لكانت سورية تدفع يومياً مليارات الليرات السورية تعويضاً للرأسمال الأمريكي الذي يخسر جراء أزمته الحالية، وعليه فتأخر البورصة السورية كان نعمة للاقتصاد السوري وهي نعمة غير مقصودة من الفريق الاقتصادي، وإذا كان الفريق الاقتصادي يسعى لتفعيل سوق البورصة السورية حالياً فقصدهم إلحاقنا بقطار الانهيار، وهذا ما لا نريده!

ما حجم تداعيات هذه الأزمة على بلدان مثل بلداننا؟

قال أحد الاقتصاديين الهامين: إن جزر الاستقرار الوحيدة التي لن تطالها الأزمة المالية الأمريكية هي الجزر التي تحاصرها أمريكا اقتصادياً، ومثال ذلك كوبا وكوريا الشمالية وخلفهم تأتي سورية لأنها لم تندمج بعد بشكل كامل بقطار العولمة كما أراد البعض.

ما حظوظ الحلول العسكرية للخروج من الأزمة؟

في الأزمات ذات الحجم الكبير كان الحل دائماً عبر التاريخ عسكرياً، وليس هناك سابقة شهدت فيها أزمة ما حلاً سلمياً، وإذا كان احتمال الحل السلمي موجوداً فإنه يقدر بـ 10 % وهو احتمال بعيد، لكن إذا تم اللجوء إلى حل سلمي فإن ذلك سيدل على سوء الإدارة الأمريكية لأن تأجيل الحل العسكري كون توازن القوى لا يسمح بتنفيذه فوراً سمح للأزمة بالوصول إلى الاقتصاد الصناعي ففقدت الآلة الحربية قدرتها على إنتاج الأسلحة من الأصناف والكميات الكافية والضرورية للحرب واستمراريتها الزمنية، ولا يمكن نفي هذا الاحتمال (الحل السلمي) نظرياً بشكل مطلق لكن مع ذلك فهو احتمال ضعيف ولم يكن له سابق في التاريخ.

ونهايةً، من الأكيد أننا نشهد انهياراً كبيراً شاملاً لمنظومة اقتصادية بكاملها وسنشهد في المرحلة اللاحقة إعادة تكوين للنظام الاقتصادي العالمي الجديد ضمن توازنات القوى التي يسمح بها عصر اليوم.